اليوم عرفة فكل عام وأنتم بخير... وغداً العيد، جعل الله أيامكم كلها أعياداً... وهكذا تمر علينا الأيام وفي طياتها فرحة بعد غمة، وسعادة بعد شقاء. وفي تصاريف الأيام عبرة للإنسان، عرفة يوم يرحم الله فيه الناس، وإكراماً منه سبحانه وتعالى للمسلمين الذين حالت بينهم وبين أداء مناسك الحج عقبات أو أنهم ممن نجح في أداء هذا الركن من قبل، فقد أكرم الله هذه الأمة بصيام هذا اليوم الذي يُكفر السنة الماضية والسنة القادمة كما ورد من حديث الرسول عليه الصلاة والسلام في "صحيح مسلم". وقد اختلف أهل العلم في سر تسمية عرفات بهذا الاسم إلى العديد من الآراء، ولكن الجميع يعلم أنه يوم رحمة عامة من الله تعالى للناس في أرض عرفات ومن شاركهم في هذا اليوم بالدعاء والصيام وصالح الأعمال، وإن نية صادقة وتوبة نصوحة هي ما يقرب الإنسان إلى ربه مع عمل مهما قل لكنه عند الله تعالى كبير. عرفة لها العديد من الاشتقاقات تعجبني منها كلمة المعرفة، فهل عرفت أيها المسلم المطلوب منك. الدنيا كلها اليوم ترى مشاهد الحجاج، وقد لبسوا لباساً هو أقرب ما يكون إلى الكفن، وقد ودعوا الدنيا بما فيها من نعيم، وتساوى في ذلك الموقف، الناس من شتى مشاربهم ورتبهم لأنهم في حقيقة الأمر عبيد لله تعالى. فهل أنت عبد مثلهم إنْ كانت إجابتك نعم، فأكرِمْ بها من عبودية لأنها السمة الوحيدة التي تحُررك أيها الانسان من كل رق سَجَنَ قلبك أو حَبَسَ جوارحك، إن العبودية الحقيقية لله تعالى هي الحرية بكل معانيها فبئست الحياة لمن قرر أن يكون عبداً لمن سواه فهل عرفت؟ هل عرفت أيها المسلم أينما كنت أن سر ضيق صدرك وثقل همك يكمن في ذنبك الذي لو تبت منه هذه اللحظة، فإن صدرك سينشرح ونفسك ستسعد، كيف لا وربنا تعالى أنزل علينا في القرآن الكريم:"ألم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك الذي انقض ظهرك"، فهل عرفت خطورة الذنب على حياتك؟ هل عرفت أن الانسان له عدو خطير جداً متربص به أينما كان وقد توعد هذا العدو بني آدم في القرآن أنه سيأتيهم "من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم". هل لاحظت في قول إبليس أمر غريب، إنه لم يقل إنه سيأتيهم من أعلى لأنه يعلم أن من عرف ربه الأعلى لا يستطيع الشيطان أن يغويه فتمسك بحبل الله تعالى، وأشدد عليه وستنجح في هذه المعركة التي أعلنها الشيطان علينا، لذلك تجد أن المسلمين فور انتهائهم من نسك عرفة، فإنهم في اليوم التالي يذهبون إلى منى كي يعلنوا حرباً كبيرة على عدوهم إبليس. إن رمي الجمار له رمز للانتصار على هذا العدو الذي يرانا هو وجنوده ولا نراه. هل عرفت أيها المسلم أن السعادة تملكها أنت فقط، ولا يستطيع أحد أن يعطيك إياها. ومحكها الرئيس في قوله تعالى"من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة"، فإن كنت من المؤمنين، فأكثر من العمل الصالح في هذا اليوم وغيره، وستجد الحياة الطيبة التي وعدك الله بها عاجلاً أم آجلًا فهل عرفت؟