للإعلام الاتحادي والمحلي دور مهم في إبراز الهوية الوطنية للدولة وهذا الأمر ليس محل خلاف، فكل الإعلاميين يقرون ذلك عبر الكثير من المنتديات التي تبحث عن الهوية الوطنية في نقاشاتها وأوراق عملها، إلا أن الأمر المختلف عليه هو إثبات ذلك وتثبيته في مفاصل المجتمع. فالإعلام حتى يقوم بدوره، فإن عليه العبء الأكبر في إبراز هويته الوطنية أولاً، لأنه الواجهة المباشرة لكل من يضغط على الزر في الداخل أو الخارج ليرى الهوية الوطنية واضحة من خلال قنواته وبرامجه وليس فقط بالملبس أو "الملفظ". فالإعلام بكل وسائله بحاجة إلى إعادة هيكلة لصالح "الهوية الوطنية" بحيث لا تكون قضية الهوية داخلة على الخط بدل أن تكون ركناً أساسيّاً من بنائه لصالح الوطن. فالإعلام الوطني لا يمكن تحقيق أهدافه في هذا الإطار إلا من خلال الكوادر الوطنية وإلا تحولت الهوية الوطنية إلى مجرد ثقافة عامة أو صورة سريالية أمام المشاهد المواطن أو المقيم والزائر على حد سواء. فالإعلام الوطني حاليّاً أمام تحدٍّ لا ينبغي التراجع عن تخطيه وفق خطة استراتيجية مرسومة بدقة لتلافي النقص الذي تراكم عبر السنوات السابقة في هذا الشأن الحيوي. والتحدي أكبر عندما يواجه الإعلام الوطني سيلاً من تعدد الثقافات في مجتمع آثر الانفتاح الاختياري على الانغلاق المفروض كما هو دأب بعض المجتمعات التي وضعت نفسها في سجن انفرادي خوفاً من التأثر السلبي بثقافات الآخرين حتى لو كان هناك جانب من الإثراء الذي يمكن الاستفادة منه أثناء الاحتكاك أو التلاقح الحضاري والإنساني مع كل أنواع الثقافات، بعد تأسيس الهوية الوطنية بقوة لا يخشى من خلالها الذوبان كما يلاحظ الآن. يحتاج الإعلام الوطني من الآن ولصالح الأجيال المقبلة النهوض بوضع البرامج التي تخدم هذا الهاجس في الحفاظ على الهوية الوطنية في حالتها المطلوبة مع إسنادها بالمضادات الحيوية التي تبعد عنها ضغوط الثقافات الأخرى إلا في جوانبها الإيجابية التي لا تخلو ثقافة إنسانية منها. وهناك تحدٍّ آخر لا يواجه قطاع الإعلام الوطني فقط وإنما له امتداد في مختلف قطاع المجتمع بالإمارات، ألا وهو خلل التوازن في التركيبة السكانية للدولة بين المواطنين والمقيمين، وهذا الوضع يستدعي من القائمين على الشأن الإعلامي حرصاً أكبر على العنصر البشري المواطن في أجهزة الإعلام بشتى صورها، فالندرة هنا يجب أن تكون في صالح الحفاظ على الهوية الوطنية التي يمثل فيها المواطن صلب الموضوع برمته. فهنا يأتي تحدي النوع على حساب الكم، فالمواطنون ينبغي التعامل معهم على أساس الكيف وليس العدد، لأن هذه المعادلة السكانية لا يمكن التغلب على آثارها السلبية إلا باستراتيجية طويلة المدى ترفع عن الهوية الوطنية الحرج السكاني في المجتمع. وعلى رغم هذا البعد السكاني الضاغط، فإن مربط الفرس هو في تمسك كل مواطن بهويته وجعل هذه القضية جزءاً من حراكه اليومي في المجتمع وعدم التفريط بأي عنصر من عناصرها، بل السعي الدؤوب إلى تقوية مواضع الضعف فيها. ومن هنا نرى للإعلام دوراً كبيراً في تعزيز هذا الجانب لدى كل فرد مواطن يريد الاستظلال بهويته الوطنية. فللإعلام اليوم سلطة مجتمعية واضحة وسطوة على النفوس من تغيير الانطباعات عن الكثير من القضايا الشائكة، فالمعالجة المجتمعية تلقى على كاهل كافة وسائل الإعلام الوطنية الواقعية منها والافتراضية، فالحملة تبدأ من خلالها، أما النتائج فإنها بين يدي المتلقين للرسائل التي تصب في بوتقة الهوية الوطنية الجامعة لكل المواطنين والمانعة من دخول الآثار غير المرغوبة للهويات والثقافات الأخرى إليها.