في عام 1970 دخلت القوات الإسرائيلية إلى منطقة العرقوب، وأقدمت على تدمير أجزاء من بلدة كفر شوبا وطرد أهاليها. وبعد سنتين اجتاحت مناطق واسعة في عمق الجنوب. وفي مارس 1978 استولت على مناطق شاسعة جنوب نهر الليطاني، وعندما انسحبت لتحل محلها قوات "اليونيفيل"، احتفظت بشريط من البلدات والقرى الحدودية... إلا أن "حرب لبنان الأولى"، أو ما عرف باجتياح عام 1982، كانت الحرب الأكثر قسوة من حيث التدمير والخراب، والكلفة البشرية والاقتصادية على لبنان. وهذا ما يظهره كتاب "إسرائيل: الحرب الدائمة... اجتياح لبنان 1982"، لمؤلفه محمد خواجه، والذي يقوم فيه باستقصاء تاريخي لمقدمات الحرب، وما جرى من تحضيرات لها، ثم مسار الحرب ذاتها، و"معارك بيروت"، و"احتلال عاصمة عربية"، قبل أن يصل أخيراً إلى "حرب لبنان الثالثة". وفيما يتعلق بالمقدمات، يذكر أن تلك الحرب حدثت بعدما توافرت لها جملة عوامل داخلية وإقليمية ودولية وإسرائيلية، مهدت الطريق أمامها وأمنت لها عناصر النجاح. فداخلياً كانت سبع سنوات من الحرب الأهلية كافية لاكتمال عمليات الفرز السياسي والطائفي، وتعميق الشرخ في المجتمع اللبناني. أما إقليمياً فلم يكن المشهد العربي أفضل حالاً من الوضع اللبناني، خاصة عقب توقيع اتفاقية كامب ديفيد التي ضاعفت من حالة التفكك والانقسام العربي. ودولياً جاءت الحرب في ظروف عالمية مثالية بالنسبة لإسرائيل، حيث قررت إدارة ريجان الجديدة إنهاء حقبة من التعاطي السلمي بين جباري الحرب الباردة، وخوض حرب لا هوادة فيها ضد الاتحاد السوفييتي وحلفائها في المنطقة، من سوريين وفلسطينيين. أما إسرائيلياً فكان نيل حكومة بيجن الثانية ثقة الكنيست، تعبيراً واضحاً عن ميل الناخبين الإسرائيليين باتجاه اليمين المتطرف، كما مثل تولي شارون حقيبة الدفاع دلالة على حتمية وقوع الحرب. من هنا ينتقل المؤلف إلى "تحضيرات الحرب"، قائلاً إنها بدأت في عام 1979 بخطة "أورانيم" التي وضعها "وايزمان"، وزير الدفاع في حينه، قبل أن يستبدلها شارون فور توليه حقيبة الدفاع بخطة "أورانيم الكبرى". وبعد أن اطمأن على سير العمل بخطته، قرر شارون زيارة لبنان للاطلاع عن كثب على جهوزية حلفائه، فحطت طوافته في مطلع يناير 1982 بالقرب من بلدة "الذوق" الساحلية. انطلقت الحرب عصر يوم 4 يونيو بغارات جوية على عشرات الأهداف في بيروت والجنوب، مخلفة وراءها 150 قتيلاً وجريحاً من المدنيين الفلسطينيين واللبنانيين، فردت المدفعية الفلسطينية بقصف مستوطنات الجليل، لاسيما مستعمرة "كريات شمونة". وقبل ظهر يوم السادس من يونيو، اندفعت القوات الإسرائيلية إلى داخل العمق اللبناني. وبكثير من التفصيل، يتعرض الكتاب إلى معركة عين الحلوة، ومعارك القطاع الأوسط، ومعركة جزين، ومعركة عين زحلتا، ومعارك القطاع الشرقي، وتدمير الصواريخ السورية، ومعركة السلطان يعقوب، ومعركة خلدة... قبل أن يخصص فصلاً بمفرده لمعارك بيروت. أما "احتلال عاصمة عربية"، فكانت رمزيته الأكثر عمقاً في مشهد السفن اليونانية الراسية بميناء بيروت، يوم 20 أغسطس، لتقل على متنها 8850 مقاتلاً فلسطينياً مع أسلحتهم الخفيفة، متجهين إلى كل من تونس والجزائر واليمن والسودان والأردن. واستخلاصاً من دراسته استراتيجيات الحربين الإسرائيليتين على لبنان (1982 و2006)، يرى المؤلف أن سيناريو "حرب لبنان الثالثة"، والشبيه إلى حد ما بسيناريو "حرب لبنان الأولى"، سيلزم إسرائيل باعتماد استراتيجية الحرب الخاطفة. لكن الجيش الإسرائيلي لن يطلق صفارتها إلا إذا ضمن ثلاثة عناصر أساسية: القدرة على الحسم السريع للحرب حتى لا تتحول إلى استنزاف منهك لقواته، تحصين مدرعاته في مواجهة الصواريخ المضادة، وتجنيب جبهته الداخلية نيران الصواريخ بوسائل مختلفة. محمد ولد المنى الكتاب: إسرائيل: الحرب الدائمة... اجتياح لبنان 1982 المؤلف: محمد خواجه الناشر: دار الفارابي تاريخ النشر: 2011