رسمت أبوظبي نموذجاً اقتصاديّاً وتنمويّاً يحتذى به، فاستطاعت أن تستثمر ثرواتها الطبيعية والبيئية بشكل متّزن ووجّهت ثرواتها المالية وقدراتها الائتمانية إلى الوجهات التي ساعدتها على بناء اقتصاد قوي مرتكز على قاعدة عريضة من القطاعات الاقتصادية، التي لم تقتصر على القطاع النفطي صاحب المكانة المتميزة على المستوى الإقليمي والعالمي فقط، بل إنها توسّعت في الإنفاق الاستثماري في عدد غير قليل من القطاعات غير النفطية أيضاً، وقد استعملت الإمارة في توسّعها هذا نهجاً متّزناً، حافظ على تحقيق التوازن بين القطاعات وسعى إلى التوسّع والنمو في كل قطاع بخطوات متأنّية ومحسوبة وفقاً لخصوصية كل قطاع، لتجنّب القفزات المفاجئة والفقاعات التي يمكن أن تحدث، وقد استطاعت بذلك أن تحقق نجاحات كثيرة في عدد غير قليل من القطاعات غير النفطية، من بينها قطاعات البنى التحتية والتكنولوجية والسياحة والتجارة والخدمات المالية المصرفية والخدمات اللوجستية والطاقة الجديدة والمتجدّدة. إن تطبيق مفاهيم التخطيط الشامل وتبنّي الرؤى المستقبلية طويلة الأجل على المستوى الكلّي ومن ثم على المستوى القطاعي كانت من أهم السمات التي ميّزت العمل التنموي لإمارة أبوظبي خلال العقود والسنوات الماضية، ولم تكن أبوظبي تهتم بقضايا التخطيط والرؤى المستقبلية كنوع من أنواع الترف الفكري، بل إنها كانت تدرك تماماً أن الاستعداد والتخطيط للمستقبل بات ضرورة ملحّة من ضرورات التقدّم للأمم والبلدان، وبات يمثّل الأداة المحورية ضمن أدوات السير والانتقال إلى الأمام على طريق التنمية، ولعلّ هذا الوعي ومن ثم الجهد الوفير الذي وجّهته الإمارة إلى قضايا استشراف المستقبل والتخطيط الاستراتيجي والتنموي هما اللذان ساعداها على استكشاف موضع أقدامها على الطريق الطويل المتجه نحو الغايات التنموية المنشودة. استطاعت أبوظبي بفضل جهودها هذه أن تبني اقتصاداً متماسكاً ومتوازناً، يتمتّع بحالة صحيّة قلّ أن تتوافر لغيره من الاقتصادات على مستوى العالم، وهذه الحالة الصحية الفتيّة هي التي مكّنت اقتصاد الإمارة من تخطّي أسوأ مراحل "الأزمة المالية العالمية" دون أي خسائر، بل إنه حافظ على تنفيذ التزاماته الاستثمارية المخطّطة قبل الأزمة دون إبطاء، وحفّزت الإمارة الطلب الاستهلاكي الفعّال في أسواقها المحلية، من خلال التوسّع في الإنفاق الحكومي على المشروعات التنموية كبيرة الحجم، وتبنّي بعض المبادرات التي ساعدت على تحسين مستويات معيشة الأفراد، ورفع مستويات الدخل الحقيقي لديهم، الأمر الذي مكّن هؤلاء الأفراد من المحافظة على أنماط معيشتهم وإنفاقهم المرتفع، وبالتالي فإن اقتصاد الإمارة استطاع أن يبني لنفسه مجموعة من المحرّكات الذاتية، التي ساعدته على طريق النمو دون الاعتماد كثيراً على الاقتصاد العالمي، ودون انتظار تعافي الأسواق العالمية، وبالتالي فقد واصلت الإمارة جني ثمار التنمية والتطوّر برغم تفاقم تداعيات "الأزمة المالية" في العديد من بلدان العالم وأقاليمه. إن المحافظة على النهج التنموي المتوازن والطموح نفسه سيكون الخيار الأمثل المتاح أمام أبوظبي لمواصلة أدائها الاقتصادي والتنموي المتميّز خلال السنوات المقبلة، وإن كانت الفترة المقبلة ستحتاج من الإمارة الاهتمام كثيراً باستخدام تطبيقات الإنذار الباكر، ومراقبة التطوّرات اليومية التي تشهدها "الأزمة المالية العالمية"، والعمل على تنويع الاستثمارات الخارجية، وبذل المزيد من الجهد على طريق تطوير أسواق المال المحلية لكي يتوافق أداؤها ومكانتها الدولية مع المكانة التي يتمتّع بها اقتصاد الإمارة. عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية