يعتبر الحصول على سعر عادل لبرميل النفط قضية أساسية للبلدان المصدرة، بل إنه شكل أحد الأسباب الرئيسية لتأسيس منظمة الأقطار المصدرة للنفط "أوبك" في عام 1960 عندما كان البترول يباع بسعر التراب ولا يتجاوز دولارين للبرميل الواحد. ومنذ ذلك الوقت مرت أسعار النفط بتقلبات حادة وخاضت منظمة "أوبك" صراعاً مستمرّاً من أجل تثبيت الأسعار عند مستويات عادلة تعكس أهمية هذه المادة، كمصدر للطاقة من جهة وكعائدات تنموية للبلدان المنتجة من جهة أخرى. وكرد على محاولات "أوبك" أقدمت البلدان الرئيسية المستهلكة للنفط على تأسيس وكالة الطاقة الدولية في منتصف السبعينيات، وذلك بعد أن تضاعفت أسعار النفط لترتفع من دولارين للبرميل إلى أحد عشر دولاراً في غضون أشهر قليلة. وهذا الصراع السعري بين البلدان المنتجة والمستهلكة اتخذ أشكالاً ومساومات عديدة تفاوتت خلالها الأسعار بصورة كبيرة انعكست على الاقتصادات النفطية إيجاباً وسلباً تبعاً لارتفاع وانخفاض الأسعار. وفي الوقت الذي التزم فيه معظم البلدان المصدرة بأسعار السوق صعوداً وهبوطاً، فإن بلداناً أخرى اتخذت خطوات لضمان عائدات ثابتة من خلال سياسات التحوط hedging بغض النظر عن مستويات الأسعار في الأسواق الفورية، حيث تتيح مثل هذه السياسات تجنب الالتزام بخيار واحد يتمثل في البيع وفقاً لأسعار السوق السائدة. وحتى الآن، فإن المكسيك تعتبر الدولة الوحيدة المصدرة للنفط التي تتبع سياسة التأمين على سعر البيع عن طريق عقود بيع الخيارات put options وهي عبارة عن تأمين مقابل عمولات وبأسعار ثابتة متفق عليها لفترة زمنية محددة، وتخضع مثل هذه التوجهات لتقديرات وتوقعات خاصة بأسعار السلع، كالنفط والمواد الأولية الأخرى. ونظراً لتوقعات متخذ القرار القطَري بإمكانية انخفاض أسعار النفط في العام القادم 2012، فقد قررت قطر مؤخراً أن تحذو حذو المكسيك وتؤمن سعر 200 ألف برميل يوميّاً أو ما يشكل ربع إنتاجها من النفط المقدر بـ 800 ألف برميل يوميّاً من خلال شراء عقود بيع الخيارات، وبسعر ثابت لم يعلن عنه، حيث يشكل ذلك اتجاهاً جديداً في سياسات النفط الخليجية والعربية بشكل عام. والسؤال المهم هنا يكمن في مدى أهمية هذا الاتجاه الجديد لاستقرار عائدات النفط، وبالتالي الموازنات السنوية والأوضاع الاقتصادية في البلدان المنتجة، ومن ضمنها دول مجلس التعاون الخليجي؟ ونظراً لهذه الأهمية، فإن توجه قطر لتأمين سعر بيع النفط عن طريق عقود الخيارات وبالاتفاق مع بنوك استثمارية عالمية له ما يبرره، إذ إنه بهذه السياسة المتحفظة يمكن تحقيق بعض المكاسب في حالة انخفاض الأسعار، كما هو متوقع وفق التقديرات القطَرية، إلا أن ذلك يتطلب متابعة دقيقة لاتجاهات أسعار النفط التي لا تخضع لاعتبارات تجارية فقط، فالأحداث السياسية والأمنية والاحتياطيات الاستراتيجية والمضاربات تلعب دوراً مهمّاً في تحديد الأسعار، حيث يصعب التكهن بهذه التطورات على المدى البعيد. وفي كل الأحوال، فإن أمام قطر ودول مجلس التعاون الخليجي، والبلدان العربية بشكل عام، التجربة المكسيكية التي لابد من تقييمها والاستفادة منها لتحقيق أكبر قدر من المكاسب، كما أنه لابد أن تكون لدول المجلس مراكز لأبحاث صناعة النفط للتأكد من اتجاهات الأسعار وعدم ارتهانها للمضاربين واعتماد مؤشرات موضوعية وعلمية لتحديد هذه الاتجاهات السعرية، ففي الفترة السابقة تحملت بلدان وشركات كبيرة خسائر جسيمة من جراء تعاملها ببعض أنواع عقود التحوط، كالعقود المستقبلية مما يتطلب الحذر الشديد والمتابعة الدقيقة لتطورات الأسواق، وذلك قبل اعتماد أي من سياسات التحوط المتعددة واتخاذها كأحد الخيارات الرامية إلى الحد من التأثيرات السلبية لتقلبات أسعار النفط في الأسواق العالمية.