في أحد أعدادها الصادر مؤخراً تساءلت صحيفة "دير شبيجل" الألمانية: "ساعة الصفر العربية... إلى أين تمضي الحرية الجديدة؟"، وهو تساؤل قريب من العنوان الذي أطلقته جريدة "الاتحاد" في لقائها السنوي يوم 20 أكتوبر 2011، والذي شكل ورشة عمل من عشرات الأدمغة العربية لمناقشة أكثر المشاكل حساسية وأهمية، في تقليد حسن اختطته الجريدة لنفسها منذ عدة أعوام. هناك من يرى فوارق جوهرية بين الأنظمة العربية، رغم وحدة الحوض الثقافي والتشارك في كثير من الظروف الموضوعية. وبهذا يمكن اختصار الوضع العربي بحزمة من الأفكار على الشكل التالي: 1 - العالم العربي كله تقريباً متحد في العلة وإن اختلف في الدرجة، من الموصل إلى نواكشوط. نحن الأطباء نعرف أن تظاهرات المرض تختلف من مريض لآخر، فالتيفوئيد يضرب المريض الأول بارتفاع الحرارة، والثاني بالتهاب القلب، والثالث بانثقاب الأمعاء مما يحتم إجراء جراحة عاجلة. 2 - يمكن تطبيق نفس الفكرة السابقة على علم الفيزياء؛ فالحرارة إذا سلطناها على خمسة أوساط (الماء والشمع والحليب والبنزين والبارود) أخذنا خمس نتائج مختلفة: تبخر، وذوبان، وفوران، والتهاب، وتفجر، وهو تقريباً ما حدث في خمسة أقطار عربية؛ فبن علي تبخر، ومبارك ذاب، وصالح احترق، أما القذافي فعُذب قبل قتله، بينما الأسد عنده بارود يتفجر. صدق من قال إن هناك نوعين من الانفجارات تحدث مع الثورة؛ للداخل وللخارج. 3 - في أرض الشام سيحسم مصير الثورة العربية الكبرى؛ وربما نجد أصداءه في التراث الديني عن خروج المسيح الدجال في بلاد الشام، ثم نزول عيسى بن مريم. هذه الرحلة الحالية ستمضي إما إلى شاطئ الحرية إن نجحت، أو العودة للعبودية قرناً آخر إن فشلت. لكن أحداث سوريا الحالية ليست مثل حماة عام 1982، وهو خطأ تمارسه القيادة البعثية السورية بانتهاجها استراتيجية الأرض المحروقة، فما يحدث هو مخاض لميلاد الرد الجديد الألفي (كل ألف سنة) من جواب الشرق على الغرب، مثل حملة الإسكندر وبعثة الإسلام... إنه أكبر من حماة ومن سوريا ذاتها. لقد كانت الثورة في تونس ومصر نزهة مقابل ما يحدث بين القامشلي ودرعا. والعالم لم يشهد مثيلاً لما تفعل آلة الأمن السورية. ولعل نجاح السوريين يزلزل الصين، وربما روسيا أيضاً، ويعطي الأمل لشعوب الأرض. ولسوف يدخل العرب مسرح التاريخ متحدين ومتوحدين. إن خصوم الثورة السورية مجموعة متحالفة، لذلك فهي ثورة تقاتل ليس نظاماً بل حلفاً ممتداً من قم إلى البقاع. 4 -إن ما يحدث في العالم العربي هو ضربة الميلينيوم، حيث لم يسبق أن اختلج العرب وتحركوا منذ زمن البعثة النبوية، كما يفعلون الآن، على طريق الاستقلال والحرية الفعليين. 5 - ولعل حريق البوعزيزي كانت دابة الأرض التي أكلت منسأة سليمان فخرَّ، عندها أدركت الشعوب أنها فيل مربوط بحبل واهن، وأن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين. إذا كان العالم قد اهتز بعد أحداث سبتمبر فالعالم العربي بعد حريق البوعزيزي يتفجر. 6 - نحن نتحدث عن عقلانية الثورات، لكن لا الحرب ولا الثورات كانت عقلانية! إنها ولادة جديدة للروح بقوانين جديدة. أليست كلمة الثورة قادمة من ثور يرغي ويزبد ويحرك قدميه في الرمل بغضب! ووفقاً لكانط وهيجل فإن الحروب تنتج من الأشرار أكثر، كما أنها تحرك المياه الآسنة، فهذا هو جدل الثورات وقدرها.