مع وجود عدد من كبار الشخصيات الديمقراطية في حالة تمرد معلن، وتجاوز نسبة البطالة تسعة في المئة، وقيام الجمهوريين في كابيتول هيل (مقر الكونجرس) بكشف النقاب عن صفقات مشبوهة أجراها البيت الأبيض مع كبار المتبرعين لحملاته الانتخابية... يمكن القول إنه لم يكن هناك توقيت أسوأ بالنسبة لأوباما لطبع كتاب "المحتال: وول ستريت، واشنطن، وتعليم رئيس"، من الوقت الحالي حيث يظهر الكتاب في المكتبات في وقت يرى الكثير من المراقبين أن الرئيس في أضعف حالاته كما تبين نتائج استطلاعات الرأي العديدة التي تجرى لقياس درجة تأييده. وإذا ما أخذنا في اعتبارنا الشراسة التي هاجم بها كبار مساعديه مؤلف الكتاب "رون ساسكند" خصوصاً في الأيام التي سبقت نشره، فسنفهم أنهم كانوا يفعلون ذلك لأنهم يعرفون حق المعرفة أن هذا الكتاب سوف يلحق ضرراً بالغاً ومستمراً بالرئيس الذي يزداد ضعفاً مع اقتراب موعد الحملات الانتخابية للانتخابات الرئاسية التي ستجري في عام 2012 ويتوقع أن تجري في أجواء مختلفة كثيراً عن الأجواء التي أجريت فيها الانتخابات السابقة التي جاءت به رئيساً، وليس أقلها أهمية أن الجمهوريين هم الذين يسيطرون في الوقت الراهن على مجلس النواب حيث يسيطرون على أغلبية الأصوات فيه، كما يحظون بوجود قوي للغاية في مجلس الشيوخ بعد أن عززوا مراكزهم فيه وحصلوا على عدد من المقاعد المهمة في انتخابات التجديد النصفي التي جرت في نوفمبر الماضي. وعلى ما يبدو فإن هؤلاء المساعدين كانوا على حق في موقف لأن الكتاب يقدم رواية جديدة عن رئاسة أوباما، تختلف عن الروايات التي كتبت عنها حتى الآن: فبدلاً من فكرة العملاق الذي يظهر في اللحظة المناسبة من التاريخ لصناعة المصير الأميركي، نرى في هذا الكتاب صورة لسياسي آخر: سياسي مفرط الثقة في نفسه من دون داع، متعال، ومتردد، وغير قادر على اتخاذ القرارات الحاسمة؛ سياسي كان يعرف كيف يصل إلى البيت الأبيض ولكنه لم يكن يعرف ما الذي يجب عمله هناك. أما بالنسبة للمحتالين الذين يحيل إليهم عنوان الكتاب فهم كبار مستشاريه الاقتصاديين، من الخبراء المحنكين الذين كانوا يحظون بشهرة كبيرة في مجال تخصصاتهم، مثل "لاري سمرز"، و"تم جيثنر"، و"بيتر أورساج"، الذين لم يقدموا للرئيس الاستشارة المفيدة، كما كان يفترض، بل سعوا بدلاً من ذلك لإحكام سيطرتهم على مقاليد السياسة الاقتصادية في البلاد، عندما وجدوا أن الرئيس غير قادر على ذلك. والتأثير الحقيقي للكتاب يأتي من كشفه عن العديد من الأشياء التي لم تكن معروفة عن فريق أوباما، ومنها مثلاً الصدامات العديدة بين أورساج وسمرز على وجه الخصوص، ومنها أيضاً قول الأخير ذات مرة: "لا يوجد أشخاص ناضجون في موقع المسؤولية بالبيت الأبيض، ولو كان كلينتون موجوداً لما وقعت كل هذه هذه الأخطاء"، ومنها أيضاً ما كان يقال عن احتقار "جيثنر" لأوباما واستهتاره به، وتجاهله للكثير من تعليماته بسبب عدم اقتناعه بها. من يقرأ هذا الكلام قد يتبادر لذهنه أن "ساسكند" غير متعاطف مع أوباما، لكن الحقيقة غير ذلك تماماً، حيث يعترف في أحد فقرات الكتاب صراحة بأنه قد انتابه "شعور جارف بالفخر عند انتخاب أوباما رئيساً لدرجة أنه قد شعر بأنه رجل خارق للعادة، وأن الأمر قد احتاج منه لبعض الوقت حتى يقتنع بأنه رجل عادي". ويقول النقاد إن الهجوم الشامل الذي يتوقع أن يشنه طاقم البيت الأبيض الحالي على الكتاب سيفشل على الأرجح، لأن هذا الطاقم قد سبق أن تعاون مع "ساسكند" أثناء تجميعه لمواد الكتاب، حيث سمح له بإجراء مقابلات مع أفراد طاقم الرئيس على كافة المستويات، بل ومع الرئيس نفسه الذي أجرى معه لقاءً مطولاً حصل من خلاله على بعض التصريحات الدالة، منها مثلاً أنه يفضل "المقاربة التكنوقراطية" في الحكم، وأنه يعتبر نفسه من الرؤساء الديمقراطيين الذين يركزون على السياسة في المقام الأول مثل كارتر. وما يمكن قوله أخيراً أن تقييم المؤلف لأوباما جاء أكثر رأفة مما كان متوقعاً بعد أن تكشف الكثير من الحقائق والمعلومات عن شخصية الرئيس وأدائه السياسي خلال ثلاث سنوات كان يمكن أن تجعله يختار -كما اقترح عليه أحد النقاد- عنواناً مختلفاً هو "رئيس الفترة الواحدة"، وهو بالطبع عنوان لم يكن ليخطر على بال أحد في ذلك المساء من شهر نوفمبر 2008 عندما أُعلن عن فوز أوباما، كأول أميركي من أصل أفريقي يصل للبيت الأبيض. سعيد كامل ------- الكتاب: المحتالون: وول ستريت، واشنطن، وتوعية رئيس المؤلف: رون ساسكند الناشر:هاربر تاريخ النشر: 2011