يعد إصلاح التعليم أمراً في غاية الأهمية، خاصة إذا كان الإصلاح والتطوير يتعلقان بجوانب تمس عقل الإنسان العربي. لذلك فإنه على من يقود عملية إصلاح كهذه أن يدرس الخلفيات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية للمجتمع بحيث لا تتعارض الإصلاحات مع متطلبات الواقع وخصوصيات هويته. ومن قراءتي لتطورات الوضع التعليمي العربي خلال العقود الثلاثة الماضية، أرى أن بعض قادة المجال التربوي لا يعرفونه حق المعرفة، بل هم بعيدون عنه وليسوا على إلمام بتجارب تعليمية سابقة لدى أمم أخرى، والدليل على ذلك الفشل الذي أصاب العديد من مشاريع التطوير التربوي والرؤى والاستراتيجيات الخاصة بمسألة الإصلاح التعليمي. إن الدراسات المقارنة التي أجريت على التعليم في الوطن العربي، وعلى الأخص دول الخليج العربية خلال السنوات الخمس الماضية، تكشف عدم صحة الخطاب التربوي والإعلامي حول الإنجازات المتحققة في مجال التعليم، حيث تشير نتائج مثل هذه الدراسات إلى الإشكالية التي يعانيها التعليم في الدول العربية والتي جعلته حتى الآن غير قادر على الانتقال بمجتمعاته إلى طريق النهوض والتقدم. ومن تلك الدراسات تقرير البنك الدولي "الطريق الأقل اجتيازاً: الإصلاح التربوي في الشرق الأوسط"، والذي أشار إلى أن الأنظمة التربوية في الدول العربية متخلفة عن نظيرتها في بلدان نامية أخرى، وأن مخرجاتها ضعيفة ولا تؤهل خريجيها للنجاح على أرض الواقع. كذلك أوضح تقرير التنمية البشرية العربية الصادر تحت عنوان "بناء مجتمع معرفي"، أن المنطقة العربية تحتل المرتبة الأخيرة من حيث مؤشرات المعرفة ومستوى التعليم بين باقي الدول. كما أشارت دراسة للمنتدى الاقتصادي العالمي حول أنظمة التعليم في 131 دولة، إلى أن الدول الخليجية تنفق أعلى معدلات إنفاق على التعليم، لكن أداء نظمها التعليمية يظل في مستويات متدنية. ثم يطالعنا تقرير البنك الدولي الصادر عام 2007 حول التعليم في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (الوطن العربي)، ليضع النظام التعليمي في الدول العربية في مراتب متدنية على مقاييس الكفاءة الداخلية والخارجية. وقد خلصت دراسة لمجموعة ماكينزي للاستشارات بعنوان "كيف تمكن أنظمة التعليم الأفضل أداء من الوصول إلى الصدارة"، إلى أن كوريا الجنوبية وسنغافورة أثبتتا أنه بإمكان النظام التعليمي أن يرفع كفاءته عالياً خلال عقود قليلة، وأن بريطانيا وولاية بوسطن الأميركية أثبتتا أنه بإمكان النظام التعليمي تحقيق نتائج مذهلة في المخرجات في فترة زمنية قصيرة وأنه بإمكان الأنظمة التعليمية تحقيق نتائج جيدة إذا ما ركزت على ثلاثة عناصر أساسية: 1- جذب العناصر الأكثر إبداعاً في مهنة التدريس. 2- تطوير قدرات هذه العناصر لتقدم أفضل ما لديها. 3- وضع المعايير التي تضمن وصول الطلبة إلى المستوى المتميز.