الفلسطينيون يغيرون قواعد اللعبة... وهستيريا غير مسبوقة في إسرائيل حظي موضوع الطلب الذي تقدم به عباس لأمين عام الأمم المتحدة للحصول على العضوية الكاملة في المنظمة الدولية، وما أثاره من ردود أفعال اتسمت بالهلع الذي وصل إلى حد الهستيريا من قبل السياسيين الإسرائيليين، باهتمام غير مسبوق من قبل الصحف الإسرائيلية وهو ما نحاول تسليط الضوء عليه ضمن هذا العرض الموجز. مابعد الأمم المتحدة في افتتاحيتها أمس الثلاثاء، وتحت عنوان "كآبة ما بعد الأمم المتحدة"، رأت "جيروزاليم بوست" في معرض تعليقها على الطلب الذي تقدم به رئيس السلطة الفلسطينية إلى الأمين العام للأمم المتحدة للحصول على الاعتراف ببلاده كدولة كاملة العضوية في المنظمة الأممية، أن السؤال الذي لا بد على كل إسرائيلي وفلسطيني يتطلع حقاً للسلام أن يسأله لنفسه ولغيره هذه الأيام هو: وماذا بعد؟، وأين نذهب من هنا؟ وهي تعترف بأن الإجابة الحقيقية على هذا السؤال قد لا تكون مشجعة خصوصاً على ضوء ما قاله عباس في خطابه. ففي معرض تعليقه على الجمود الذي طال عملية السلام في الشهور الأخيرة، وضع رئيس السلطة الفلسطينية - كما تقول الصحيفة - اللوم كله على إسرائيل، متناسياً التنازل غير المسبوق الذي قدمته له حكومة نتنياهو بتعليق بناء مستوطنات جديدة لمدة عشرة أشهر العام الماضي، كما أنه صور الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات بأنه رجل سلام متناسياً أن رجل السلام هذا هو نفسه الذي رفض عام 2000 عرضًا في قمة كامب ديفيد الثانية قدمه له كلينتون، ورئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك إيهود باراك، وأنه هو الذي قام عقب رفضه لهذا العرض بالتعاون الوثيق مع "حماس" وغيرها من الجماعات المتطرفة في شن سلسلة من الهجمات الانتحارية التي أوقعت خسائر فادحة بالإسرائيليين في إطار ما يعرف بالانتفاضة الثانية، كما أن- عباس- أغفل تماماً ذكر حقوق اليهود في أرض إسرائيل، وتناسى أن هذه الأراضي مقدسة بالنسبة لهذا الشعب تماماً مثلما هي مقدسة للمسلمين والمسيحيين، كما بلغت به المغالطة حداً أنه قال إن الاعتراف بيهودية إسرائيل سيعرض مستقبل مليون ونصف المليون فلسطيني، للخطر على الرغم من أنه يعرف حق المعرفة أن إسرائيل من أفضل دول العالم التي ترعى حقوق الأقليات في العالم، وأن مستوى الحريات الذي يتمتع به الفلسطينيون من حملة الجنسية الإسرائيلية ومستواهم الاقتصادي أفضل من الكثير من نظرائهم في أي مكان آخر سواء في العالم العربي أو غيره. وترى الصحيفة أن تلك العناصر في خطاب عباس، والتي إذا ما نظر إليها في مجملها، تكوّن الرواية الفلسطينية الرئيسية، تمثل عقبة كأداء أمام التوصل لسلام دائم في المنطقة. وتنتهي الافتتاحية بالقول إن عباس وغيره من أعضاء القيادة الفلسطينية قد يعتقدون بأن تسليم طلب للأمم المتحدة للاعتراف بفلسطين كعضو كامل العضوية، سيقربهم خطوة إضافية من تحقيق حلم الدولة ولكن تلك العناصر التي احتوى عليها خطابه، تكشف للأسف الشديد وعلى نحو يثير الاكتئاب، أن الفجوة الموجودة بين الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي لا تزال قائمة، بل وتزداد اتساعاً، على الرغم من أن الحاجة العملية تستدعي القيام على وجه السرعة بتجسيرها إذا أريد حقاً الوصول للسلام الدائم بين الشعبين. *"رئيس بنك الدم" هكذا عنون "إسحاق لاور" مقاله المنشور في عدد "هآرتس" أمس الثلاثاء والذي وجه فيه انتقاداً لمعسكر ما يطلق عليه الحمائم في إسرائيل، الذين يرون أنه من المريح بالنسبة لهم أن يتناسوا أن المشروع الإسرائيلي هو مشروع إمبريالي في الأساس، وأنه مشروع تستخدمه الولايات المتحدة وتغذيه بالمال والسلاح كي تحكم المنطقة وما وراءها، وأنها - الولايات المتحدة - كانت قد قامت في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، بتمزيق كوريا وفيتنام بواسطة كل من الإدارتين "الديمقراطية" و"الجمهورية"، كما قامت بتمزيق العراق تحت حكم "الجمهوريين"، ولم يعترض "الديمقراطيون" على ذلك، كما أنهم عندما استلموا الحكم - الديمقراطيون - لم يقوموا بإتمام الانسحاب من ذلك البلد كما كانوا قد وعدوا، كما بدأ "الجمهوريون" حرباً في أفعانستان وقاموا بتوريثها لـ"الديمقراطيين" الذين يقولون إنهم مضطرون الآن للبقاء في هذا البلد لعدة سنوات قادمة. ويرى الكاتب أن الصناعة العسكرية الأميركية لم تتوقف عن النمو والتوسع منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، بحيث يمكن القول إن الاقتصاد الأميركي بات يعتمد اعتماداً كبيراً على الآلة العسكرية الجبارة، لدرجة أن الرئيس الأميركي، الذي كان قد تحول إلى رمز حتى قبل أن يستلم الحكم رسمياً، والذي حصل على جائزة نوبل للسلام لأنه استوفى حلم "مارتن لوثر كنج" لم يجد ما يقوله لشعبه بشأن الاقتصاد الراكد، وتوقف النمو، وتضخم البطالة، كما لم يعد لديه استجابة للتراجع والأفول الأميركي في مختلف المجالات. ويرى الكاتب أن رئيس الولايات المتحدة هو في الحقيقة"رئيس بنك دم" وأنه يشبه لحد كبير رئيس بنك كبير، والفارق بينه وبين منافسيه يتضاءل عندما يتم النظر إليهم من أحراش فيتنام ومجاهل العراق أو حتى مجاهل الولايات المتحدة ذاتها. يرى الكاتب أيضاً أن معسكر السلام "الحمائم" في إسرائيل قد علق آماله لسنوات طويلة على مجيء رئيس أميركي لديه القدرة على استنقاذه من المأزق الذي تجد بلاده نفسها فيه في الوقت الراهن في أفغانستان وغيرها، وأن هذا المأزق الذي كان سببه الحماقة يعكس بشكل واضح اعتماد إسرائيل الكامل على الولايات المتحدة، فمعسكر الحمائم يتناسون إنه ليس هناك دولة أخرى في العالم قد حصلت من الولايات المتحدة ما يربو على 100 مليار دولار منذ إنشائها قبل 60 عاماً، كما يتناسون إن إسرائيل قد ظلت على مدى عقود طويلة هي الأنبوب الذي كانت الولايات المتحدة تمول من خلاله صناعة الأسلحة الضخمة، ويتناسون كذلك أن المشروع الإسرائيلي منذ أن قام هو مشروع إمبريالي بامتياز تقوم الولايات المتحدة من خلاله بحكم المنطقة. وهو يرى في النهاية أن الفريق الموالي للأميركيين من بين معسكر الحمائم هم في الحقيقة مثل الشحاذين الذين يقفون على بوابه البيت الأبيض ويقولون لقاطنه" لا تكن مثل ليبرمان بل ساعدنا حتى نظل مسالمين وصالحين". مباحثات السلام كتبت "ناتاشا موزجوفايا"مقالاً في عدد "هآرتس" أمس الثلاثاء اختارت له كعنوان التحذير الذي جاء في خطاب نتنياهو والذي قال فيه: "إن الفلسطينيين يرتكبون خطأً فادحاً عندما يمتنعون عن استئناف مباحثات السلام، وهو التصريح الذي جاء في سياق حوار أجراه مع"شارلي روز" مقدم البرامج في شبكة "بي. بي. إس". كان من ضمن ما قاله فيه أيضاً إن السلام في الشرق الأوسط لن يتحقق إلا من خلال المفاوضات المباشرة بين الطرفين، وأنه شخصياً مستعد للحوار معهم" في أي زمان وأي مكان ومن دون شروط مسبقة، وأن تحقيق السلام شيء سهل، ويمكن إنجازه وإنه شخصياً مستعد لإنجازه". وأشارت الكاتبة أيضاً لما قاله نتنياهو حول حل الدولتين من أن هذا الحل في مصلحة إسرائيل في المقام الأول، لأنها ستضمن أن المواطنين الفلسطينيين لن يكونوا جزءاً من دولة إسرائيل كرعايا، بل سيعيشون في دولتهم، وأن كل ما تريده إسرائيل - وهو ما لا يدركه الفلسطينيون ولا يدركه الكثيرون من العرب وغيرهم - أن حرص إسرائيل على استيفاء التفاصيل حقها في أي اتفاق مع الفلسطينيين بشأن إنشاء دولة لهم نابع من حرصها الشديد على ضمان أن تلك الدولة لن تتحول إلى "غزة أخرى" أو إلى "إيران مصغرة"، وأنه سبب تحفظ إسرائيل على حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى أراضيهم داخل الخط الأخضر، هو أن السماح بذلك يعني فتح الباب لطوفان من ملايين الفلسطينيين الذين سيتدفقون على أراضي إسرائيل وراء الخط الأخضر بحيث أنه وبدلًا من أن تقوم دولتان واحدة إسرائيلية وواحدة فلسطينية سوف تقوم دولتان أيضاً ولكن واحدة فلسطينية والثانية يهودية مفلسطنة. إعداد:سعيد كامل