يواجه السفير الأميركي في دمشق، روبرت فورد، صعوبات كثيرة ليس فقط من قبل النظام السوري الذي قد يلجأ إلى طرده، بل أيضاً من قبل الجمهوريين في مجلس الشيوخ الذين ما زالوا يماطلون في تأكيد تعيينه كسفير للولايات المتحدة لدى سوريا. والحجة التي يسوقونها والمتمثلة في عدم رغبتهم في التعامل مع نظام يقتل شعبه، ليست في محلها ولا تخدم السياسة الأميركية، لاسيما وأن فورد أثبت في أكثر من مناسبة أنه الرجل الذي يعارض الأسد وآلته الأمنية. والحقيقة أن ذلك ليس غريباً على المسار المهني للسفير المستعرب، والذي أمضى سنين طويلة في دهاليز وزارة الخارجية، وهو يتقن اللغة العربية. وبالإضافة إلى مهامه الحالية في سوريا، سبق أن خدم في العراق وتولى مهاماً صعبة في أوج العنف وانعدام الاستقرار، وأظهر براعة أكبر خلال الأزمة الأخيرة في سوريا عندما انحاز لانتفاضة الشعب السوري. ولو كان في دمشق نوع آخر من الدبلوماسيين عدا فورد، لاكتفى بتكرار العبارات المسكوكة التي يعيدها الدبلوماسيون عادة على أسماعنا، ولما قام بدور محوري في جلب الانتباه العالمي لما يجري من تنكيل بالمتظاهرين في سوريا. وهكذا قام فورد بجولة في جميع أنحاء سوريا، رغم المحاولات الحكومية لعرقلة جولاته وتقييد تحركه، كما التقى برموز المعارضة وتحدث بصوت عالٍ ضد القمع، وفي الأسبوع الماضي حضر جنازة أحد نشطاء حقوق الإنسان البارزين قبل أن تتعرض مراسيم التشييع لهجوم من قبل قوات الأمن. ولم يسلم مقر السفارة من هجوم المحسوبين على النظام، فضلاً عن تلقي فورد تهديدات بالقتل... ومع ذلك واصل مهمته من دون خوف، وعندما تحدثت إليه يوم الأربعاء الماضي، أعرب عن قناعته بأن نظام الأسد، وإن كان لا يواجه خطر السقوط الوشيك، فإن أيامه قد لا تطول، قائلاً: "هل سيسقط النظام غداً؟ على الأرجح لا، لكن هل سيحافظ على استقراره في المدى البعيد؟ بالتأكيد لا". وفي دعم قناعته بأن النظام قد يسقط خلال سنة، استشهد فورد باستعداد الشعب السوري للمخاطرة بدفع الثمن عالياً والموت لاستمرار المظاهرات وضمان عزلة النظام إقليمياً ودولياً، فقد انضم الاتحاد الأوروبي إلى الولايات المتحدة في فرض عقوبات على أهم صادرات سوريا وهي النفط، وحتى لو أراد لاعب أساسي آخر هو الصين التدخل لشراء النفط السوري، فذلك سيكلفها غالياً لأن سوريا تنتج النفط الثقيل الذي يحتاج إلى معدات معقدة لتكريره. كما لاحظ فورد أن طبقة رجال الأعمال التي تعد إحدى ركائز نظام الأسد، بدأت تشعر بعبء العقوبات على مصالحها بينما ستتنامى الصعوبات الاقتصادية خلال الشهور المقبلة. لكن النظام ما زال يحصل على الدعم من إيران التي توفر المساعدة لقوات الأمن، ومن روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا... كأعضاء غير دائمين في مجلس الأمن الدولي، حيث يحبطون أي محاولة من الأمم المتحدة لفرض عقوبات على النظام بدعوى أن ذلك يهدد بتحويل سوريا إلى ليبيا أخرى ويمهد لتدخل عسكري من قبل "الناتو"! ومع ذلك بدا فورد متفائلاً بأن الضغوط الأوروبية والأميركية كافية لعزل الدول الداعمة للنظام. لكن ماذا عن الدعم الداخلي للحكومة السورية؟ لحد الآن، وخلافاً للثورة الليبية، لم نشهد انشقاقات كبرى على النظام السوري الذي يعتمد بالأساس على حكم الطائفة العلوية المتخوفة من دفع ثمن غال إذا ما وصلت الأغلبية السنية إلى السلطة! لكن فورد من جهته واثق بأن النظام سيتصدع مع مرور الوقت ويفقد أوراقه الأساسية. وما يزيد من هذا الاحتمال الاستخدام المكثف للجيش في قمع المظاهرات، وإرساله إلى عدة مدن في مختلف أنحاء سوريا، ما يثقله بأعباء قد لا يتحملها إن طالت الانتفاضة، لاسيما في ظل الاحتكاك مع المدنيين، "الأمر الذي سيؤثر سلباً على معنويات الجيش الذي يُطلب منه قتل المدنيين العزل". ولغاية اليوم تأتي معظم التحركات الشعبية المنتفضة ضد نظام الأسد من التنسيقيات المحلية غير الخاضعة لقيادة موحدة، وهو ما شكل عامل قوة للنظام، فمن جهة صعبت المأمورية على السلطة لقمعها بسبب تشتتها وتعدد أماكن تواجدها، ومن جهة أخرى حدت من قدرة المعارضة على التنسيق وتوحيد الفعاليات والأهداف. وفيما التقت رموز المعارضة الخارجية في أكثر من مكان، بإسطنبول والدوحة ومدن أخرى، لتوحيد الجهود وتنسيق التصورات والرؤى حول مستقبل التحركات الشعبية في الداخل، ما زال أمام المعارضين الكثير من العمل للاتفاق حول الأهداف، والأهم من ذلك إيصال رسالة تطمين واضحة إلى الأقليات، وخاصة الأقليتين العلوية والمسيحية، بأن سوريا ما بعد الأسد ستضم الجميع ولن تفرق بين مواطنيها. لكن فورد يقوم بمهامه بصفة مؤقتة منحه إياها أوباما عندما عطل مجلس الشيوخ تعيينه. ومع أن لجنة العلاقات الخارجية في المجلس صادقت على تعيينه مؤخراً، فإنه ما زال ينتظر التصويت النهائي، وهو انتظار محدود بأفق زمني لا يتعدى انتهاء السنة الجارية، إذ بدون المصادقة على تعيينه لن يتمكن من الاستمرار في أداء مهامه بسوريا. ماكس بوت باحث وزميل مجلس العلاقات الخارجية الأميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم. سي. تي. إنترناشونال"