بين وحدة أوروبا السياسية المؤجلة... وانتظار "الفيتو" الأميركي ضد السلام مشروع توسيع الوحدة السياسية الأوروبية، واستمرار خطر القذافي على استقرار ليبيا الجديدة، والتجاذب حول عضوية الدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة، ثلاثة موضوعات استقطبت اهتمام الصحافة الفرنسية. أوروبا السياسية في مواجهة الأزمات المالية والاجتماعية المتلاحقة التي يعاني منها الاتحاد الأوروبي الآن، استعادت الصحافة الفرنسية مجدداً الدعوات إلى إقامة "أوروبا السياسية"، أي توسيع الاندماج الأوروبي إلى ما يشبه الكيان الفيدرالي لضمان التسيير الموحد للاقتصاد والتجارة والدفاع والعلاقات الخارجية وغيرها. وضمن هذا السجال كتب "تييري شوبن"، مدير الدراسات بمؤسسة "روبرت شومان"، مقالاً تحت عنوان "أوروبا السياسية: من أجل تجنب خيبة أمل جديدة"، قال في بدايته إن الأزمات الأخيرة وضعت الاتحاد الأوروبي على المحك، ففي مواجهة صدمة التحديات العارمة، من أزمات مالية وثورات عربية، اكتشف الأوروبيون، بكل إحباط، حجم محدودية هوامش تحرك الحكامة الأوروبية الموحدة، وقد أدت تعقيداتها البنيوية إلى نوع من البلبلة في المواقف والتوجهات الأوروبية، حيث عجزت دول الاتحاد عن الحديث بلسان واحد، وهو ما فاقم من هواجس الأسواق المالية العالمية، والشركاء الاقتصاديين، بل حتى المواطنين الأوروبيين العاديين أنفسهم. وفي هذا السياق عادت مرة أخرى خطابة الدعوة إلى إعادة توسيع وتفعيل "أوروبا السياسية"، من خلال المطالبة بتوحيد السياسات المالية لدول الاتحاد، والسير قدماً ومن دون تردد أو مخاوف قُطرية وطنية نحو بناء مشروع أوروبا المتحدة سياسيّاً، حول قطبها الثنائي الدافع المتمثل في فرنسا وألمانيا. ولكن هذه الدعوة، يقول الكاتب، حتى لو كانت مرغوبة، فإنها كفيلة أيضاً بإثارة قدر من دواعي القلق مخافة الاستغراق في التعلق بأهداف مجردة أو غير واقعية، يمكن أن تؤدي بمشروع أوروبا السياسية، أو أوروبا الفيدرالية، إلى أن ينتهي إلى خيبة أمل أخرى. والحقيقة أن مشروع التوحيد الأوروبي إلى أقصى حد ممكن، المسمى إعلامياً في فرنسا "أوروبا السياسية"، في حين تفضل دول أخرى مثل بريطانيا ومعظم الأعضاء الجدد في الاتحاد تسميته "أوروبا السوق"، هذا المشروع، ينظر إليه لدى بعض الشركاء الأوروبيين على أنه مجرد تعبير آخر عن رغبة من فرنسا في تكريس وتقوية حضورها على المسرح الدولي، وتقديم نفسها على أنها قوة وازنة وموازية، أو حتى معارضة للولايات المتحدة، قادرة على تأكيد الاستثناء الوطني الفرنسي من التبعية للحليف الأطلسي الكبير. ولاشك أن مشروع "أوروبا السياسية" مأخوذاً بهذا المعنى لا يحظى بتأييد الأغلبية العريضة من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. ومع هذا فإن ثمة شعوراً أيضاً بأن العالم الراهن فائض التعولم يجعل فعلاً الاتحاد في حاجة إلى آليات للتنسيق والتحرك الفاعل الموحد في مجالات اتخاذ القرار المالي، والسياسي، والخارجي، والدفاعي، وفي ملفات الهجرة، والشرطة، والاستقلال الطاقي. وهنا لا تخفي معظم الحكومات، بل حتى الشعوب الأوروبية، رغبتها في رؤية سياسات واحدة للاتحاد، مع ما قد يعنيه ذلك من إيجاد أطر مشتركة لاتخاذ تلك السياسات. ليبيا الجديدة في صحيفة لوفيغارو نشر الصحفي المتخصص في الشؤون العربية "جورج مالبرينو" مقالاً تحدث فيه عن استحقاقات طي صفحة نظام العقيد القذافي في ليبيا، ناقلاً عن مصادر في وزارة الدفاع الفرنسية قولها إنه على رغم هزيمة نظام القذافي عسكريّاً إلا أن المهمة الليبية لم تكتمل بعد طالما أن العقيد لم يتم تحييده حتى الآن، سواء بالاعتقال أو القتل. ولذلك فإن ثمة دواعي حقيقية لضرورة التحسب من إمكانية استمرار كتائبه ومرتزقته في تهديد مكاسب الثورة الليبية المتحققة حتى الآن. وعلى أرض الواقع ينتظر أن تسقط مدينة سرت بسرعة، في حين ما زال رجال العقيد المخلوع يتوفرون في الجنوب على جيوب ومناطق. وبحسب مصادر عليمة في وزارة الدفاع الفرنسية فإن أولئك الموالين للقذافي ما زالوا يسعون للحفاظ على منافذ على الخارج في الجنوب والجنوب الغربي قد تسمح لهم بالتسلل والهروب، وهم بذلك يريدون الاحتفاظ باستراتيجية خروج. ويذهب الكاتب إلى أن كتائب القذافي على رغم هزيمتها الآن، يخشى أن تعود لإقلاق الاستقرار الداخلي لليبيا متى ما توقفت الضربات الجوية للحلف الأطلسي. وأخطر من هذا أن القذافي يمكن حينها أن يسعى في مخبئه لتجنيد مرتزقة وموالين بالخمسين طناً من الذهب التي نهبها، بحسب تصريح جهات في وزارة الدفاع في باريس دائماً. وفي الأخير ينقل مالبرينو عن مصادره أن التقديرات العسكرية الفرنسية تضع في حسبانها ثلاثة سيناريوهات ممكنة للمخاطر التي يمكن أن يمثلها القذافي على استقرار ليبيا الجديدة. السيناريو الأول أن يظل مختبئاً في مكان ما من جنوب البلاد، لتنظيم عمليات عنيفة ضد البلاد كالهجمات الانتحارية، أو الأعمال التخريبية ضد البنية التحتية لإنتاج وتصدير النفط، على أمل إنهاك السلطات الجديدة. والسيناريو الثاني أن يعمل على توسيع هامش تحركه بهدف العودة إلى الصورة مرة أخرى والرجوع بالصراع إلى المربع الأول، مع ما يعنيه ذلك من استدامة عدم الاستقرار. والسيناريو الثالث أن يهرب القذافي، ويسعى من الخارج للتشويش على الاستقرار في ليبيا الجديدة. وتعتقد الاستخبارات الفرنسية أن السيناريو الأول القائم على الانخراط في أعمال إرهاب ضد ليبيا الجديدة هو الأرجح. كما قد يحاول القذافي أيضاً اللعب على أية انقسامات داخلية في صفوف المجلس الانتقالي الحاكم، وكذلك على استثمار القلق بشأن احتمال وجود دور لبعض الجماعات المتطرفة. "فيتو" ضد السلام تحت هذا العنوان خصصت صحيفة لومانيتيه افتتاحية للتلويح الأميركي باستخدام حق النقض "الفيتو" ضد قبول عضوية الدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة، وقد أكد كاتب الافتتاحية "موريس إلريك" أن هذا "الفيتو" ليس من مصلحة أحد بما في ذلك إسرائيل نفسها، حيث إن الإسرائيليين لن يستفيدوا شيئاً إذا ظلوا يمارسون الاحتلال على شعب آخر، وإذا ظلوا يعولون على قانون القوة في مواجهة قوة القانون. واليوم وقد وصل استحقاق انضمام فلسطين إلى الأمم المتحدة لتصبح الدولة رقم 194 لا يوجد أدنى منطق في الخروج عن الإجماع الدولي الحاصل في المنظمة الأممية، التي كانت هي من أذن بقيام إسرائيل أصلاً. كما أن الولايات المتحدة التي خاضت كل تلك الحروب بدعوى الحفاظ على السلام مطالبة اليوم بتقدير حجم الإجماع الدولي الواسع على تأييد عضوية دولة فلسطين، باعتبار ذلك خطوة إيجابية على طريق تحقيق السلام الشامل والعادل في الشرق الأوسط. أما القول بأن على الفلسطينيين الانتظار وانتظار قيام دولتهم من خلال المفاوضات فهذه مماحكة عقيمة، وغير ذات معنى في الواقع، لأنه لا يوجد الآن أي ضوء في نهاية نفق عملية السلام المسدودة بفعل تراكم جثث المبادرات وعمليات التفاوض الفاشلة السابقة. والمسؤول عن كل ذلك معروف وهو إسرائيل التي تنكرت لكل التزاماتها السابقة، وتواصل أعمال الاستيطان المحمومة في أراضي الدولة الفلسطينية. أما في افتتاحية لصحيفة ليبراسيون فقد ذهب الكاتب "نيكولا ديموران" إلى أن الخطوة الفلسطينية بطلب العضوية الكاملة تبدو خطوة مشروعة، حتى لو كانت تضع وجوه بعض الأطراف الدولية نحو الحائط. ومن بين المواقف الدولية يبدو الموقف الفرنسي هو الأكثر براعة، حيث أمسك العصا من المنتصف، حيث يسعى لإيجاد إطار دبلوماسي للخطوة الفلسطينية، وفي الوقت نفسه يريد أن تكون لها أجندة زمنية وخريطة طريق، تأخذ الدولة الفلسطينية فيها أولًا صفة قانونية، مثل وضع الفاتيكان. وينتهي الكاتب إلى أن مآل الخطوة الفلسطينية، ومن ورائها مصير عملية السلام، ما زال محفوفاً بالتعقيدات والعراقيل، ولذا فإن خيوط الأمل شحيحة ونحيلة، وإن كانت موجودة على كل حال. إعداد: حسن ولد المختار