على غرار ما جاء في قصة الأديب الأميركي "إدجار آلان بو" المعنونة بـ "الرسالة المسروقة"، يسعى "الجمهوريون" إلى السطو على الانتخابات الرئاسية لعام 2012 أمام أعيننا من دون خوف أو وجل، والأدهى من ذلك أنهم يحاولون تغيير القوانين لإضفاء الصبغة القانونية على عملية السطو التي ينوون القيام بها، وقد انخرطوا في العملية الأولى لهذه اللعبة على مدى أشهر وتحديداً منذ فوز "الجمهوريين" بمجموعة من الولايات في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس عام 2010 ليعمدوا فيها إلى تشريع قوانين تضع العديد من العراقيل أمام الأقليات والفقراء لإقصائهم من التصويت. وفي هذا السياق يمكن الإشارة إلى تقليص "الجمهوريين" في الولايات التي يسيطرون عليها مثل فلوريدا وأوهايو من إمكانية التصويت المبكر واشتراط تقديم الناخبين لبطاقات هوية تحمل صورة شخصية، بل فرضوا رسوماً على التصويت باشتراط تقديم الناخبين جواز سفر، أو شهادة ميلاد، وهي الأمور التي تستدعي رسوماً لإعدادها ويعقد الأمر على الفقراء وغير الراغبين في تحمل كل تلك الأعباء التي هم في غنى عنها. ومؤخراً برزت حيلة أخرى لجأ إليها الحزب "الجمهوري" في المواقع التي يحتل فيها الأغلبية تتمثل في تحوير نظام الهيئة الناخبة في أميركا، بحيث اقترح زعيم الأغلبية "الجمهورية" في مجلس شيوخ ولاية بنسلفانيا، "دومنيك بيليجي"، تغيير الطريقة التي تفرز بها الأصوات في الانتخابات الرئاسية، فمعروف أن الهيئة الناخبة في كل ولاية تعكس الدوائر التي تمثلها في الكونجرس بالإضافة إلى مقعدين لها في مجلس الشيوخ. وبدلاً من أن تذهب جميع أصوات الهيئة الناخبة في بنسلفانيا إلى المرشح الذي يفوز في التصويت الشعبي المباشر كما هو الحال في معظم الولايات المتحدة يسعى "بيليجي" إلى تخصيص تلك الأصوات وتقسيمها على دوائر الولاية في الكونجرس، ومعروف أنه منذ فوز بيل كلينتون في الولاية عام 1992 تحولت بنسلفانيا إلى ولاية "ديمقراطية" بكل المقاييس، وجاء أوباما ليرسخ هذا التوجه عندما فاز بنسبة 55 في المئة من الأصوات المباشرة للناخبين ليحصل على 21 صوتاً ناخباً مخصصة للولاية، لكن في حال طُبق قانون "بيليجي" لأعطي جون ماكين الذي نافس أوباما عشرة من أصوات الهيئة الناخبة لأنه فاز بعشرة دوائر انتخابية في الولاية، فيما سيحصل أوباما على تسعة دوائر انتخابية بالإضافة إلى صوتين لأنه حصد أعلى نسبة من التصويت المباشر، والأكثر من ذلك عمل النواب "الجمهوريون" في كونجرس الولاية على إقرار قوانين تقلص الدوائر الانتخابية من 19 إلى 18 ووضع جملة من القيود تهدف في المحصلة النهائية إلى خلق أغلبيات "جمهورية" في 12دائرة من الدوائر 18، وبموجب هذه العراقيل والقوانين الجديدة يمكن لأوباما أن يفوز بالولاية في انتخابات عام 2012 من خلال الفوز بأغلبيات ساحقة في مدينة فيلاديلفيا "الديمقراطية"، ومع ذلك خسارة الأغلبية أصوات الهيئة الناخبة ليحرم من دعمها لها في الانتخابات الرئاسية. وقد سارع "توم كوربيت"، حاكم بنسلفانيا "الجمهوري" إلى إعلان تأييده لقانون "بيليجي"، فيما يبرز احتمال أكبر أن تلجأ باقي الولايات المتأرجحة التي سقطت في أيدي" الجمهوريين" إلى تطبيق نسختها المشابهة من القانون، وهكذا يستطيع أوباما الفوز بولاية متشيجان بفضل الدعم القوي في ديترويت، أو يفوز بولاية "أوهايو" ومع ذلك يخسر أصوات الهيئة الناخبة في الولايتين. والحقيقة أن ما يهدف إليه قانون"بيليجي" هو تمديد انحياز نظام الهيئة الناخبة ضد التصويت الشعبي المباشر إلى الولايات، فقد استُحدث نظام الهيئة الناخبة للتوصل إلى تسوية حتى لا يكتسح الشماليون البيض في الولايات الجنوبية ويتم إقصاؤهم عبر التصويت المباشر في مجلس النواب، أو في الانتخابات الرئاسية بعدما خرج الجنوب مهزوماً من الحرب الأهلية وانقلب الرأي العام ضده. وكانت عملية الترضية التي وافق عليها الطرفان آنذاك باحتساب أصوات العبيد ليس ككتله واحدة، بل توزيعها على الولايات المختلفة ضمن الهيئة الناخبة وتشتيت أصواتهم حتى يتمكن المرشح الذي حصل على أعلى عدد من أصوات الهيئة الناخبة من الوصول إلى البيت الأبيض والفوز بالرئاسة، وهذا ما يفسر ما حصل في انتخابات عام 2000 عندما تجاوز المرشح" آل جور" خصمه بوش في التصويت الشعبي بنصف مليون صوت، ومع ذلك حصل على الرئاسة بفضل أصوات الهيئة الناخبة ومحكمة عليا يسيطر عليها "الجمهوريون". وبموجب القانون المثير للجدل، يمكن أيضاً للمرشح الذي يفوز على صعيد الولاية بالنسبة الأكبر من أصوات الناخبين أن يخسر أغلبية أصوات هيئتها الناخبة فلا تحتسب له عند فرز الأصوات النهائية التي تمكنه من الرئاسة. وإذا نظرنا إلى المحاولات التي يبذلها "الجمهوريون" لتقليص تصويت الأقليات والفقراء مع معارضتهم للتصويت الشعبي المباشر في الولايات المتحدة تتضح الصورة الاستراتيجية التي يسعون إلى رسمها، فمع مرور السنوات تقلصت نسبة السكان البيض في أميركا ليصبح الناخبون أيضاً من غير البيض، هذا في الوقت الذي يتحول فيه الحزب "الجمهوري" إلى حزب للبيض فقط، ولأن الأقليات والفقراء يلجؤون إلى التجمع عادة في المدن التي تعتبر دوائر انتخابية مساندة للديمقراطيين يمكن فهم محاولة الحزب تقسيم أصوات الهيئة الناخبة لكل ولاية حسب الدوائر الانتخابية، وهو ما يسمح لـ"الجمهوريين" بتحقيق مكاسب في الولاية حتى في الوقت الذي يتراجع فيه التصويت الشعبي لصالحهم، وفي المقابل تسعى ولايات أخرى" ديمقراطية" مثل كاليفورنيا إلى إلغاء نظام الهيئة الناخبة وإقرار نظام التصويت المباشر، بحيث يصبح كل من فاز بأصوات المواطنين مخولًا للحصول على أصوات الهيئة الناخبة المخصصة لكاليفورنيا ليعاد الاعتبار للديمقراطية الشعبية، لكن ذلك لن يدخل حيز التنفيذ على المستوى الفيدرالي إلا إذا انخرطت أعداد كبيرة من الولايات في هذا النظام. هارولد مايرسون محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس"