منذ سنة ومن على منبر الأمم المتحدة قال الرئيس الأميركي إنه يأمل "أن نلتقي في الدورة المقبلة وتكون فلسطين الدولة الجديدة الحاضرة معنا"! ونوّه بحق الشعب الفلسطيني في دولة مستقلة معلناً السعي الأميركي إلى الاتفاق بين الإسرائيليين والفلسطينيين. مرّ عام، وتضاعف الإرهاب الإسرائيلي. دمرّت إسرائيل ما تبقى من آمال وما طرح من أفكار ومبادرات. وتعطلت لغة الحوار. وتكرّست عمليات الاستيطان والتوسّع على حساب الشعب الفلسطيني وأرضه وآماله. وتصرفت إسرائيل وتتصرف على أساس فرض سياسة الأمر الواقع وابتزاز الجميع بمن فيهم أميركا ورئيسها في كل مجال. خلال هذا العام الفائت، حصلت تطورات في العالم العربي. بدأت في تونس. استكملت في مصر الموقّعة اتفاقاً مع إسرائيل. خرج القادة الإسرائيليون ليستغلوا الأمر في اتجاهين، اتجاه كشف الواقع العربي، والقول إن التحركات التي أطاحت برئيسين (التونسي والمصري ) ليس سببها إسرائيل كما كان يدعي كثيرون أن كل الأزمات ناجمة عن الصراع العربي – الإسرائيلي وأن عدم حل القضية الفلسطينية هو الذي يولّد الخضات. بل على العكس الناس خرجوا إلى الشوارع مطالبين بالحرية والديموقراطية ولقمة العيش. وهذا لا علاقة لإسرائيل به، وهي "الدولة الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط»! والاتجاه الثاني هو الإدعاء أن مثل هذا التطور سيجعل إسرائيل في خطر لا سيما وأن اتجاهات إسلامية "أصولية" تظهر وهي الأقوى. مما يعني ضرورة توفير المزيد من الضمانات الأمنية والإستراتيجية على كل الصعد لها. واستغلّ القادة الإسرائيليون ما جرى في إيلات مؤخراً وما تعرضت له السفارة الإسرائيلية في القاهرة. هذا العام، ومن على المنبر ذاته وقف الرئيس الأميركي ليقول: "إسرائيل دولة صغيرة محوطة بالأعداء الذين يسعون إلى إبادتها. أبناؤها يعيشون خطراً على الحياة كل يوم. جيرانها يربّون أطفالهم على الكراهية". ورفض أوباما في لقائه مع محمود عباس توجه الأخير إلى مجلس الأمن لطلب الموافقة على إعلان الدولة الفلسطينية إلى الأمم المتحدة! خرج المعلقون الإسرائيليون ليقولوا كلاماً لم يسمع من قبل. ناحوم برنياع، كبير معلقي "يديعوت احرونوت" كتب مقالاً بعنوان: "سفيرنا في الأمم المتحدة" مشيراً إلى أوباما إذ "لم يسبق أن ألقى خطاباً مؤيداً لإسرائيل بهذا القدر من على منبر الأمم المتحدة. فأوباما ليس فقط تبنّى كل الحجج الإسرائيلية ضد الاعتراف بدولة فلسطينية بل وتبنى الرواية الإسرائيلية! أما مراسل "معاريف" في أميركا شموئيل روزنر، فاعتبر أن الفلسطينيين تلقوا درساً من أوباما" من دون أميركا لا يوجد ما يمكن أن يدفع إسرائيل. ومن دون محادثات مع إسرائيل لا تسوية ولا سلام". إذاً، أذهبوا إلى إسرائيل. وأضاف: إن الصوت اليهودي والمال مهم لأوباما. وصحيح أن سنة الانتخابات على الباب، والاعتبارات السياسية الداخلية باتت تثقل أحاسيس الزعماء، لكن الأميركيين يهتمون بالخطاب الذي ألقاه أوباما، حول الفقر والأغنياء وضرورة التصدي للوضع الاجتماعي. لكن ينبغي فهم أقواله. قبل كل شيء على خلفية علاقات أميركا مع مؤسسة الأمم المتحدة. البيت الأبيض غيّر أوباما. لقد أدرك أن رئيساً بلا قوة هو رئيس بلا تأثير. وأن رئيساً يتخلى عن التأثير هو رئيس غير ذي صلة"! أما الخبيرة في شؤون أميركا ياعيل شترنهل في "هآرتس" فقالت: "أوباما في وضعه الحالي لا يستطيع أن يسمح لنفسه بإصدار تصريحات جريئة تعرّض للخطر علاقاته مع الجماعات اليهودية وتضعضع السياسة الأميركية التقليدية، وتفضي إلى مواجهة أخرى بينه وبين الجمهوريين الذين يتحرقون إلى معركة". هذه عينّة من التعليقات والمواقف. لكنها تشير كلها إلى ضعف الرئيس الأميركي وتراجع آماله وإلى إحباطه ومحاولة استقوائه بالصوت اليهودي والمال. والضعف هذا مردّه إلى ضعف الدولة والركود الذي تعيشه والمشاكل الكبيرة فيها، وإلى سيطرة اللوبي اليهودي ونفوذه، وإلى آثار الإدارة الأميركية السابقة والفشل في أكثر من مكان في العالم، وإلى مسؤولية الإدارة الحالية عن فشل إضافي، كما إلى تراجع في مواقع الحلفاء. وحدها إسرائيل تأتي لتستفيد من ذلك، فنرى على منبر الأمم المتحدة من يعلن رفضه علناً ومن موقع رئيس أميركا الذهاب إلى مجلس الأمن لحماية الفلسطينيين وحقهم، بل يؤكد الذهاب لحماية إسرائيل باستخدام حق "الفيتو". إذا كانت النظرة إلى رئيس أميركا أنه سفير إسرائيل في الأمم المتحدة فكيف سيكون وسيطاً نزيهاً وعادلاً في عملية البحث عن تسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين؟ وما هي نتيجة هذا الموقف؟ سوف يصاب "أبو مازن" ومن معه بنكسة، ستكون لذلك آثار سلبية في الوسط الفلسطيني. سيزداد الفلسطينيون قناعة بأن الأفق مسدود أمامهم. سوف يذهبون إلى مزيد من الحقد والكراهية. لن يكون سبيل أمامهم إلا المقاومة. وفي الأساس المقاومة هي نتيجة هذا الظلم التاريخي الذي لحق بهم. لو لم تحتل أرضهم. ولو لم يطردوا منها. ولو لم تترك قضيتهم ولو لم تسقط إسرائيل كل محاولات الوصول إلى تسوية، وترفع وتيرة التصعيد والجرائم الجماعية والقتل والتهجير والاستيطان لما كان ثمة اهتزاز في الأمن والاستقرار في المنطقة ولما كان ثمة ضرورة لمقاومة وللجوء إلى كل الوسائل المتاحة لاستخدامها للدفاع عن النفس. اليوم تدخل المنطقة والقضية الفلسطينية مرحلة جديدة. وسيعود نتنياهو من نيويورك أكثر شعوراً بالقوة والدعم والتغطية المفتوحة. وسيستخدم كل الوسائل والأساليب الإجرامية ضد الفلسطينيين ليحقق المزيد من أهدافه على الأرض. كما سيستغل ما يجري في المحيط ليستنفر العالم الذي أيده ودعمه وعلى رأسه أميركا، لتقديم المزيد من الحماية والدعم لإسرائيل في كل المجالات، ولمتابعة ما يجري في محيطها. فإسرائيل هي القوة الأساس في البازار الكبير المفتوح في المنطقة بين الدول الفاعلة ولها الكلمة الفصل لأن الأمر يتعلق بأمنها الإستراتيجي ومستقبلها كما يقول نتنياهو وجماعته. وإذا كان ثمة تسليم، وبالشكل الذي عبّر عنه في التعليقات الإسرائيلية بأن الرئيس الأميركي عاجز وهو بحاجة إلى الصوت اليهودي والمال في انتخاباته المقبلة بعد أشهر، فهذا يعني أن السنة المقبلة ستكون أيضاً سنة الابتزاز الإسرائيلي للمرشحين الأميركيين الذين سيتبارزون في معاركهم لكسب ود اليهود وبالتالي ودّ نتنياهو اليوم وغداً.. وعلى هذا الأساس يجب أن تقام الحسابات الفلسطينية والعربية ولا أدري إذا كان ثمة حسابات عربية بالمعنى الجماعي للكلمة اليوم. فمصير العرب يتقرر في هذه المرحلة وهم خارج دائرة القرار، بل خارج دائرة التأثير فيه. سنكون أمام مرحلة يقيم فيها كل بلد، أو كل نظام حساباته على أساس المشهد الذي قرأناه مؤخراً. والوقائع التي نراها ونتائجها على الأرض وفي قلب المعادلات الدولية والإقليمية التي تتقدم فيها مصالح الدول الكبرى والفاعلة على أي أمر آخر. لا سيما مصالح شعوبنا! إسرائيل أخذت من أميركا ما تريده. تريد أن تأخذ أكثر منها ومن غيرها. الأولوية بالنسبة إليها هي فلسطين، ثم الحديث عن إيران ونووياتها وامتداداتها. وإيران لاعب كبير ومهم. ثم تركيا لاعب آخر كبير ومهم، تهتز علاقته بإسرائيل لكن العلاقة مع أميركا والأطلسي ثابتة. وتستعد لدور مهم. أما العرب فواقع حالهم يرثى له! يقولون عن أوباما: سفير إسرائيل. من هو سفيرنا؟ غازي العريضي وزير الأشغال العامة والنقل اللبناني