العام 1990 غزا العراق الكويت، وشرد أهلها ومسحها من الخريطة واعتبرها محافظة تابعة له، ولم يكن أحد يستطيع أن يردع العراق وجيشه في حينها سوى المجتمع الدولي وتحديداً بجيش الولايات المتحدة الأميركية. استنجد الكويتيون بالأشقاء والأصدقاء والمجتمع الدولي لتخليصهم من براثن الاحتلال، ولم يكن يهمهم من يأتي لتخليصهم من الشقيق الذي غدر بهم في ليل بهيم. وقد هب الأشقاء في الخليج ومصر وسوريا والمغرب لنجدة الكويت، وسارع المجتمع الدولي لتحرير الكويت بجيوش ثلاث وثلاثين دولة أقواها وأهمها كان جيش الولايات المتحدة الأميركية. حينها، تعرض الكويتيون لحملة شعواء من "العروبجية" و"القومجية" للجوئهم للمجتمع الدولي لتخليصهم من الاحتلال العراقي. وقيل في الكويتيين حينها ما لم يقله مالك في الخمر. ودارت الأيام، وقادت الولايات المتحدة الأميركية بعد ثلاثة عشر عاماً حرباً سمتها "حرية العراق" وأسقطت بها نظام صدام حسين بعد أن يئس شعبه من التخلص منه لشدة سطوته وبطشه وتنكيله. وقد قيل في العراقيين الذين حكموا العراق بعد صدام ومن خلال انتخابات شعبية نعوتاً من العمالة والخيانة والتبعية للولايات المتحدة الأميركية والغرب. ومرت السنون، وانفجرت الشعوب العربية من تونس حتى اليمن مطالبة بالحرية والكرامة والديمقراطية وحقوق الإنسان، فهرب رئيس تونس، وتنازل رئيس مصر، وجرح رئيس اليمن، واختفى رئيس ليبيا حتى هذه اللحظة. ولكن الرئيس الليبي معمر القذافي ما كان ليسقط لولا التدخل الدولي لإنقاذ الشعب الليبي، فمنذ اليوم الأول للمظاهرات الشعبية السلمية التي انطلقت في بنغازي في 17 فبراير، استخدم العقيد القذافي أسلوباً وحشيّاً بالقتل الجماعي وأطلق رشاشات مضادة للطائرات من عيار خمسين على شعبه الأعزل وأرسل طائرات "الميغ" الحربية لقمع المتظاهرين، ولم يكن من حيلة أمام الشعب الليبي سوى الاستنجاد بأي كان في المجتمع الدولي لتخليصه من نظامه -وليس من غزو خارجي مثلما في الحالة الكويتية. والحقيقة التي لا مراء فيها أنه لولا التدخل الدولي، لسحق القذافي مناوئيه بعيار خمسين وبالمدفعية الثقيلة وبالطائرات وبكل ما يمكن أن تقع عليه يداه من ترسانته التي عبأها لمحو شعبه من الوجود. قبل أسابيع، خرجت في سوريا مظاهرات جمعة سماها منظموها "جمعة الحماية الدولية"، يطالب فيها المتظاهرون المجتمع الدولي بحماية الشعب من نظامه الذي أنزل الجيش للمدن والقرى السورية لوقف التظاهرات ضده. كما خرج أحد أشهر ناشطي حقوق الإنسان السوريين والعرب -السيد هيثم المالح- مطالباً بتدخل الأمم المتحدة لحماية المدنيين. كان السيد المالح من أشد منتقدي الكويتيين لطلبهم الحماية الدولية والتدخل الدولي لتخليصهم من غزو خارجي، وليس من نظام داخلي مثلما الحالة السورية والليبية. لا أقصد في هذا المقام الملامة أو المزايدة أو تبرئة هذا الموقف أو تخوين ذاك، ولكن واقع الحال يقول إن الوضع العربي عموماً وصل حالة من الشذوذ الذي لم يعد ينفع معه سوى التدخل الدولي في بعض حالاته لتصويب الأمور وإنقاذ شعوبنا من جلاديها. هذه هي الحقيقة التي لا مراء فيها: أنظمة جثمت على صدور شعوبها عقوداً، ونهبت خيراتها لتسخرها لقمع شعوبها وسحقها من أجل بقائها على سدة الحكم والتمتع بسطوة السلطة، وهي أنظمة لن تتورع عن استخدام أبشع الأساليب وأقذرها لقمع معارضيها. ومع إدراكنا أن العالم لا تحركه القيم والمبادئ، ولا يأتي لنجدة شعب من أجل سواد عيون شعبه، لكن لنعترف أننا أمة تعيش خارج العصر، ولنعترف بأن الوصاية والتدخل الدوليين هما السبيل الوحيد لردع جلادينا ووقفهم عن غيهم وطغيانهم الذي به يعمهون.