بالنسبة للعديد من غير المسلمين، قد تكون مفاجأة لهم أن يعرفوا أنه في العالم الإسلامي يمكن أن تختلف الممارسات وأساليب الالتزام من منطقة إلى أخرى ومن مجموعة إلى أخرى أيضاً. وتميل العناوين في إعلام التيار الرئيس، وخاصة في الدول الغربية إلى التأكيد على النواحي الأكثر تشدداً لدى المجموعات الصغيرة، بينما تتجاهل النواحي الإيجابية العديدة لغالبية المسلمين أو التيار الرئيسي في الإسلام. إلا أن كتاباً جديداً عنوانه "إسلام بدون درجات قصوى: حالة مسلمة من أجل الحرية"، من تأليف الصحفي التركي مصطفى أكيول، يساعد على تصحيح الكثير من هذه الرؤى الخاطئة، مركزاً بشكل خاص على الرؤية التي تزعم أن الإسلام "دين سلطوي" لا يعطي سوى مساحة قليلة للحرية الشخصية! ويعتبر الكتاب بحثاً في جذور الليبرالية داخل الإسلام، ونقداً لما يعتبره "مواقف قمعية" داخل الدين، لاسيما منع الارتداد أو التجديف، واللذين يعتقد الكاتب أنهما يرتكزان على التقاليد بدلاً من الوحي القرآني. ويبدأ أكيول بنظرة عامة، تاريخية وعقائدية، لتطور الإسلام عبر القرون، موضحاً أن رسالة الإسلام الجوهرية (التوحيد) أنقذت الفرد من "عبودية القبيلة". بمعنى آخر، كانت الطريقة الإسلامية مركّزة ومتأصلة في الفكرة القوية بأن الفرد مسؤول أمام الله، والله وحده. ثم يشرح أكيول كيف دفعت هذه الرسالة الإسلامية الحرية في الشرق الأوسط خلال العصور الوسطى، كما ظهر في مبادئ القانون الإسلامي مما نتجت عنه نضالات داخلية مذهبية، مثل "التقليديين" مقابل "العقلانيين". ويذكر أكيول كيف لعبت عوامل غير دينية، مثل جغرافية الشرق الأوسط، دوراً في "حرب الأفكار خلال العصور الوسطى"، وذلك عبر مدارس علوم دينية أقل انفتاحاً. ويستخدم الكتاب أمثلة الإصلاحات العثمانية المتأخرة، والتي يتم نسيانها أحياناً، وكذلك التطور السياسي في تركيا الحديثة، لإلقاء الضوء على ممارسة الإسلام اليوم وكيف يطوّر المجتمع التركي المعاصر، وخاصة بورجوازيته الإسلامية، منظوراً ليبرالياً للسياسة والاقتصاد اللذين يمكن أن يشكلا نبراساً للعالم الإسلامي المعاصر. وأخيراً، يقدّم أكيول وجهة نظر للمستقبل تقترح وسيلة لإزالة التفسيرات الأكثر مرونة في الإسلام، لصالح التقبّل التعددي في الداخل والخارج، والذي يضم عناوين مثيرة للجدل والخلاف. ويشكل القرآن الكريم المحك ووسيلة الاختبار. ورغم أنه يحترم "المصدر الثاني" للإسلام، ألا وهو الحديث الشريف، فإنه يناقش باتجاه مراجعة نافذة لأدبيات الحديث، الذي يعتبره أقل اعتمادية مما قد تراه النظرة التقليدية. ويثبت أكيول أن معظم النواحي الخلافية للقانون الإسلامي، من الرجم إلى منع الردة أو السلوك الآثم، تأتي من الحديث الشريف وليس من القرآن الكريم. وهو يحاجج بأن بعض الأحاديث قد تعكس المواقف التاريخية بدلاً من الوصايا الأبدية للإسلام. ويجد القارئ أنه أثناء العصر الذهبي للإسلام، انجذب العديد من المسيحيين إلى الحرية الفكرية والميزات العلمية التقدمية للإسلام، وأصبحوا إلى درجة ما مسلمين "بالرغبة" (أرغب أن أكون مسلماً). وببساطة، فإن دراسة أكيول تقدم للمسلمين وغير المسلمين على حد سواء، فحصاً مفصّلاً للإيمان الذي يتوقع أن يجده القارئ في شرح تثقيفي ومثير للتفكير. ويبدو أن نية أكيول ليست أن يبدو وكأنه "مارتن لوثر مسلم"، بل ربما "جون لوك مسلم" يحسن إبراز أهمية التسامح الديني والحرية الفردية. --------- مارك شيل كاتب مهتم بعلاقات الأديان في أميركا وخارجها --------- ينشر بترتيب مع خدمة "كومون جراوند" الإخبارية