لا شك أن التعليم بات بالنسبة للجميع الأساس لتحقيق النمو الذي يدفع الدول إلى مرحلة النهضة، فهو الوعاء المعرفي والرصيد الفكري الغني والمدخل الحقيقي لإحداث التطوير في المجتمع، خاصة في ظل المخاض العسير الذي تعيشه بعض الدول العربية اليوم، وهو ليس فقط كونه يحتل الصدارة في تنمية المجتمع وتطويره وتشكيل عقول أفراده والعمل على إزالة الكثير من الأمراض التي تنهش جسد المجتمع، مثل الفقر والتخلف والبطالة والجريمة وغيرها، بل له كذلك دور أساسي في صناعة السلم الاجتماعي، وإرساء روح الانفتاح والحرية والعدالة والقيم الأخلاقية، بصورة تعمل على خدمة المجتمع وتطوره ونموه ونهضته. لذلك، لابد هنا من التأكيد على نقطة جوهرية كثيراً ما تغيب عن الجهود العربية لتطوير التعليم، وهي عدم وضع المعلم كأولوية وأساس للنهوض في أجندة العمل التنموية، لذلك فإن المجتمع يصطدم بكثير من المشكلات والتحديات والأخطاء التي تعوق مسار تقدمه ونموه، وفي أغلب الأحيان يصل الأمر إلى مرحلة الفشل بحيث تبقى مجتمعاتنا متأخرة عن غيرها من مجتمعات العالم. ومن هنا يأتي التساؤل: لماذا استطاعت دول غربية وآسيوية تحقيق نهضة صناعية وتقنية هائلة، وفشلت الدول العربية في تحقيق مثل هذا الإنجاز رغم الإمكانيات المادية والبشرية والفكرية التي تسمح بذلك؟ الإجابات متعددة والتفسيرات هي الأخرى كثيرة. لكني سأقف هنا عند نقطة مهمة، وهي مسألة الإصلاح التربوي والكيفية التي تتعامل بها الدولة العربية مع هذا الإصلاح، حيث إنه من النادر أن تشتمل الإصلاحات التربوية فيها على "عمليات تغيير ذات تأثير على إعادة توزيع مصادر القوة والثروة في المجتمع". فغالباً ما تتم الإصلاحات التربوية بصورة شكلية أو خاطئة رغم جودة الأفكار والرؤى المطروحة على الورق. كما أن هذه الإصلاحات كثيراً ما ترتبط بشخص الوزير كقائد لمشروع الإصلاح التربوي، ومدى قدرته وفهمه وكفاءته في تحقيق التطوير والإصلاح على أرض الواقع وبصورة صحيحة تخدم التعليم والعاملين فيه وتؤدي إلى نهضة حقيقية في المجتمع. والمشكلة أن مسألة النجاح من عدمه في مشروع الإصلاح التربوي متوقفة على تجرد المسؤول التعليمي من أهوائه ومصالحه الشخصية، وأيضاً بقاءه أو خروجه من الوزارة ودخول غيره بمشروع جديد، مع ما يعنيه ذلك من كلفة اجتماعية ومادية باهظة تنعكس أضرارها مباشرة على التعليم والعاملين فيه. إن مشاريع التطوير التربوي العربية تحتاج إلى إعادة نظر عميقة، ولا أدل على ذلك من شكاوى أهل الميدان التربوي ليس فقط من أخطاء في التنظير والتنفيذ، وإنما أيضاً من عدم حصولهم على الترقيات المستحقة. وكما هو معلوم فإن أساس التطور يكمن في تحسين ظروف المعلم، وهذا ما تفعله غالبية الدول التي قطعت شوطاً كبيراً في بناء نظام تعليمي متطور، حيث جعلت درجة المعلم وراتبه لا يقلان عن درجة وراتب وكيل وزارة أو وزير. ولست هنا في مجال التحليل أكثر حول هذا الموضوع، لكني أجزم أنه لو تم تحسين ظروف المعلم والعاملين في الميدان التربوي، وأصبح راتبهم يوازي باقي الوظائف والمهن الأخرى، لكان ذلك يعني التقدم شوطاً طويلاً في مشوار النهضة والتحديث.