الأسرة في أيّ مجتمع من المجتمعات هي اللبنة المجتمعية الأساسية والمدرسة الأولى التي يتخرّج فيها الفرد، وينظر من خلالها إلى المجتمع والحياة من حوله، وتتشكّل توجهاته وأفكاره وتصوراته فيها، ولهذا فإن العمل على إعادة الاعتبار إليها، وتعظيم دورها في المجتمع أصبح يمثل أولوية ملحّة، خاصة مع تطورات الحياة الحديثة وتحولاتها التي أدت إلى تراجع هذا الدور. من هذا المنطلق، فإن الخطة الاستراتيجيّة، التي أعلنتها "مؤسسة التنمية الأسرية" لأعوام 2011-2015 مؤخراً، تكتسب أهميّة كبيرة، لأنها تستهدف العمل على تعظيم دور الأسرة في المجتمع من خلال مجموعة من البرامج المهمّة، كبرنامج "مجالس الأسرة" الذي يركز في الأساس على تفعيل دور الأسرة في تنمية المجتمع، وإعداد أسرة واعية تحافظ على أصالتها وثقافتها وقيمها العربيّة القادرة على مواكبة العصر وتحديات المستقبل بتطوراته التكنولوجية وتقدّمه في مجالات الحياة كافة، من خلال العمل على تعميق التواصل بين أفراد الأسرة جميعهم من طفل وفتاة وامرأة وشاب ومسنّ للوصول إلى الفهم الأساسي لاحتياجاتهم ومتطلّباتهم، وتنفيذها عبر تصميم برامج هادفة تستهدف تحقيق التماسك الأسري، والتلاحم بين أفراد المجتمع جميعهم. كما تتضمّن هذه الخطة الاستراتيجية برنامجاً مهمّاً آخر، هو برنامج "تعرّف على شريك حياتك" الذي يستهدف رفع مستوى الثقافة الزوجية والأسرية، وتشجيع الشباب على الإقبال على الزواج، وتدريبهم على التعامل مع الخبرات الجديدة والاستفادة منها في تجاربهم المقبلة بإيجابيّة لاستمراريّة الحياة واستقرارها، ليكونوا قادرين على مواجهة المشكلات التي قد تعتري طريقهم، والتوعية بكيفية التكيّف معها، والحيلولة دون تعقيدها وتفاقمها، وحلّها بأفضل الأساليب. إن إعادة الاعتبار إلى دور الأسرة، وتعظيم هذا الدور في المجتمع الإماراتي، لاشك أمران ينطويان على قدر كبير من الأهمية، إذ إن وجود أسرة قوية فاعلة تمارس أدوارها كافة من شأنه المحافظة على القيم الإماراتيّة الأصيلة والإيجابيّة التي تمثلها الأسرة، بعد أن بدأت في التراجع تحت ضغط الحياة الحديثة ومتطلباتها، وفي الوقت نفسه القيام بدور محوري في مقاومة المظاهر والسلوكيات السلبيّة والغريبة على المجتمع الإماراتي، التي بدأت تظهر على السطح خلال الفترة الأخيرة، وتحتاج إلى مواجهة شاملة وفاعلة تبدأ في الأساس من الأسرة، لما تمثله هذه السلوكيّات من تهديد لأمن المجتمع واستقراره. وعلاوة على ما سبق، فإن الأسرة يمكن أن تشكّل إحدى قنوات التنشئة المهمة لأفراد المجتمع، التي يتم من خلالها غرس قيم الولاء والانتماء والوفاء لهذا الوطن فيهم، وحثّهم على التضحية بكل غالٍ ونفيس من أجل رفعة هذا الوطن ونهضته. لقد وضعت "الوثيقة الوطنيّة لدولة الإمارات العربية المتحدة لعام 2021" هدف بناء أسرة متماسكة في مقدمة أهدافها، وارتأت أن تحقيق ذلك الهدف لن يتم إلا من خلال تشجيع الزواج بين الإماراتيين، وتقليص نسب الطلاق المرتفعة، وهذا الهدف من الممكن تحقيقه في ظلّ الدعم المتواصل الذي توليه قيادتنا الرشيدة لشبابنا لبناء أسرة مستقرة، وحرصها الكبير على إزالة العقبات كلّها التي تحول دون تحقيق هذا الهدف، وذلك من منطلق إيمانها بأن المجتمع المستقرّ والمتماسك هو القادر على التقدم إلى الأمام والمحصّن ضد مصادر الخطر التي تفرزها المتغيرّات المحيطة به.