للاقتصاد الكلمة الفصل في كثير من القضايا التي تعاني منها كافة المجتمعات المتقدمة وغيرها، وهو الفيصل لتحديد مصير بعض قادة العالم وعلى رأسهم أوباما في حالة إعادة الانتخاب من عدمه. منذ الأزمة المالية يعيش العالم بين سندان الركود ومطرقة التضخم، فأيهما ترى أرحم لحالة الاقتصاد العالمي، والفرق هنا ليس في المصطلح، بل في مجريات الواقع، فالركود يشل حركة الاقتصاد اليومية أما التضخم فيؤثر في مداخل الفرد اليومية فكلاهما يؤخران النمو الاقتصادي العام في أي مجتمع. وقد عبر يوماً نائب الرئيس الأميركي "جو بايدن" عن مثل هذا الوضع قائلاً: "عندما يكون صهرك عاطلاً عن العمل، تسمى الحالة ركوداً وعندما تكون أنت عاطلاً عن العمل، تسمى الحالة كساداً". وهذا وجه واحد من أوجه الأزمة المالية العالمية لم ينج أحد من آثاره سواء كان فرداً أو مجتمعاً، فللاقتصاد، تراجعاً ونمواً، الدور الأكبر في إدارة كثير من أروقة في المجتمعات التي تسعى لانتشال نفسها من براثن الركود والكساد أو التضخم، حتى يمكن لأصحاب القرار التصرف السليم تجاه وضع الحلول المناسبة لكل مشكلة على حدة. فالتهويل من أي حالة لا يعتبر حلاً، وإنما التدبير هو الأمر المطلوب لأنه لا يوجد في قاموس الحياة اقتصاد مستقر على طول الخط، فالصعود والتراجع جزء من العملية الكلية، فإذا قيل عن قطاع العقار إنه "يمرض ولا يموت"، فكذلك الحال بالنسبة للقطاعات الأخرى، فالحل هو بالسعي في انتشاله وليس بالتخلص منه. الاقتصاد الذي ينمو بشكل بطيء ولفترات طويلة أفضل حالاً من القفزات والطفرات المفاجئة سواء صعوداً أو انحداراً لأنه يأكل من ثمار النمو المستقر وإن كان بطيئاً. ففي كل الدورات الاقتصادية هناك هامش من النمو تتراوح نسبته ما بين 3-6 في المئة، مما يعد مؤشراً على استقرار الاقتصاد في أي مجتمع بشكل عام، وما زاد عن هذا فإن المؤسسات العالمية المختصة في المال والأعمال تحذر من ذلك، وقد أعلنت إحدى الدول النامية ذات مرة عن رقم قياسي في النمو الاقتصادي قارب 13 في المئة، أدى إلى دخول صندوق النقد الدولي على خط الاعتراض على هذا الرقم الكبير وضرورة الحصول على توضيحات سريعة لتبرير هذه الحالة التي خرجت عن المعدلات والنسب المعتادة في النمو الاقتصادي. وحتى الحالة الصينية التي تبلغ نسبة النمو الاقتصادي لديها ما بين 8-10 في المئة مثار جدل بين خبراء الاقتصاد الدوليين لأن البعض منهم يطعن في دقة الأرقام الرسمية التي تنشر في هذا المجال. فموضوع الاقتصاد ليس عابراً، وإنما هو قضية غائرة في صميم أي مجتمع يسعى إلى التقدم والارتقاء في جميع أوضاعه سواء الداخلية منها أو ما يتعلق بروابطه الإقليمية والدولية. وبما أن العالم أصبح "عويلماً" في هذا الزمن المختصر فإن ما كان يقال منذ عقود من أن أميركا إذا عطست فإن الصين تشمتها عن بعد، صحيح، ولذا نقول إن أميركا أيضاً إذا عطشت فإن مصلحة العالم كله إرواء ظمئها، وهذا ما يحدث الآن بشأن الدولار الأميركي الذي تخشى الصين وهي الحائز الأكبر عالميّاً على مدخراته من هذه العملة أن تصاب بالخسارة الفورية قبل غيرها من الدول التي لا تملك ذات حجم من الاحتياطات النقدية. فالشأن الاقتصادي لم يعد قضية محلية بحتة لأي مجتمع وإنما تمس كل العالم من حولنا لأن الشبكة الاقتصادية تحيط بكل من يهمه الانطلاق نحو مسار تنموي مستدام وبصفة مستقرة يمكن من خلالها التمكن من امتصاص أو احتواء أي أزمة مستقبلية تخص عالم المال والأعمال.