ضمن فعاليات واحتفاليات اليوم العالمي للقلب، الذي يحل كل عام في التاسع والعشرين من شهر سبتمبر، نظمت هيئة الصحة بدبي محاضرة عن أمراض القلب والشرايين داخل الإمارات، لتتزامن مع بداية الحملة التوعوية ضد عوامل الخطر المسببة لهذه الطائفة من الأمراض. وقد نجح عدد من الأطباء والاستشاريين العاملين في الدولة في استغلال هذه المناسبة للتذكير ببعض الحقائق الخاصة، وبالوضع الخطر وغير العادي لأمراض القلب والشرايين في الإمارات. وأهم هذه الحقائق ربما كون أمراض القلب والشرايين تصيب سكان الدولة في متوسط عمر أقل بخمسة عشر عاماً، مقارنة بمتوسط العمر في الدول الغربية. حيث أكد الأخصائيون والاستشاريون أنه ليس من النادر أو الغريب أن تصيب هذه الأمراض من لم يتخطوا بعد منتصف عقد الأربعين، بل إن حتى الفئة العمرية بين سن العشرين وسن الأربعين أصبحت تصاب بأمراض القلب والشرايين بمعدلات أكبر من المتوسط في الدول الأخرى. ومن المعروف أن أمراض القلب والشرايين تحتل رأس قائمة أسباب الوفيات بين أفراد الجنس البشري، حيث تتسبب في أكثر من 17 مليون وفاة سنويّاً، أو ما يعادل 30 في المئة من مجمل الوفيات البشرية. هذا مع توقع أن تظل أمراض القلب والشرايين محتفظة بمكانتها على تلك القائمة السوداء حتى عام 2030 على الأقل، ما لم تتخذ تدابير وإجراءات جذرية على صعيد الوقاية من عوامل الخطر. ويتماثل الوضع داخل الإمارات مع الوضع العالمي إلى حد كبير، حيث تحتل أيضاً أمراض القلب والشرايين رأس قائمة أسباب الوفيات داخل الدولة، متسببة في 22 في المئة من إجمالي الوفيات. وتندرج أمراض القلب والشرايين تحت قائمة خاصة تعرف في عالم الطب بأمراض الثراء أو الأغنياء (Diseases of Affluence) وتضم على سبيل المثال وليس الحصر: داء السكري، والسمنة، وأمراض القلب والشرايين، والسرطان، وارتفاع ضغط الدم، وأمراض المناعة الذاتية، والربو الشعبي، وإدمان الكحوليات، والاكتئاب، وطيفاً آخر من الأمراض النفسية. وتتشابك العلاقة بين بعض تلك الأمراض بحيث يصبح بعضها سبباً أو نتيجة لبعض آخر مثل السمنة التي تنتج جراء الإصابة ببعض الأمراض، وتتسبب هي نفسها في أمراض عدة. وتتميز جميع هذه الأمراض بميزة أساسية هي كونها أمراضاً غير مُعدية، أي لا تنتقل من شخص إلى آخر، على عكس أمراض الفقراء، التي غالباً ما تكون أمراضاً معدية تنتقل من شخص إلى آخر، نتيجة انخفاض مستوى الصحة العامة، وتدهور مستوى الصحة البيئية، وعدم الاهتمام بالنظافة الشخصية. والملاحظ أن الاتجاه الحالي هو نحو تفاقم أمراض الثراء، وخصوصاً في الدول الصناعية، بسبب زيادة متوسط طول العمر، والاعتماد على تقنيات الرفاهية، وقلة النشاط البدني، ووفرة الغذاء المرتفع محتواه من السعرات الحرارية. والمتابع للتغطية الإعلامية للوضع الصحي في الدول العربية، والخليجية منها على وجه التحديد، سيجد أن أمراض الثراء قد أصبحت تحتل رأس قائمة المشاكل الصحية التي تعاني منها تلك الدول، حيث يؤكد الخبراء على استفحال معدلات الإصابة بداء السكري في دول الخليج العربي، وتشير تقديراتهم إلى أن عدد المصابين بالمرض في دول الخليج يصل حاليّاً إلى أربعة ملايين شخص، مليونان منهم على دراية بمرضهم، بينما لا يدرك مليونان آخران إصابتهم بالمرض من الأساس. ولا يختلف وضع داء السكري كثيراً عن وضع أمراض القلب، التي تتوالى التحذيرات في الندوات والمؤتمرات من اتساع نطاقها، وارتفاع معدلاتها. وتتنوع وتتعدد عوامل الخطر خلف الإصابة بأمراض القلب والشرايين، لتشمل السمنة، والسكري، وارتفاع ضغط الدم، والتدخين، والتوتر، وارتفاع مستوى الدهون في الدم، والقابلية الوراثية، وغيرها. ومؤخراً، وحسب دراسة نشرت هذا الأسبوع في إحدى الدوريات الطبية المرموقة، أصبحت أصابع الاتهام تشير أيضاً إلى عوادم السيارات، كسبب للإصابة بالأزمات القلبية المعروفة بالذبحة الصدرية، حيث اكتشفت الدراسة التي مولتها إحدى المنظمات البريطانية العاملة في مكافحة أمراض القلب (British Heart Foundation)، أن استنشاق كميات كبيرة من عوادم السيارات خلال فترة زمنية قصيرة، يزيد لفترة ست ساعات بعد الاستنشاق، من احتمالات التعرض لأزمة قلبية. ويعتقد العلماء أن السبب هو أن التعرض للملوثات يزيد من لزوجة الدم، ويساعد على تجلطه، مما يتسبب في انسداد الشرايين التاجية المغذية لعضلة القلب، ومن ثم الإصابة بالذبحة الصدرية. ويعتقد العلماء أيضاً، أن عوادم السيارات لا تتسبب في حد ذاتها في الأزمة القلبية، وإنما تسارع من وقوعها لدى أشخاص ذوي شرايين مريضة من الأساس بسبب أحد العوامل الأخرى سابقة الذكر. وتشير تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى أن 2,4 مليون شخص يلقون حتفهم سنويّاً جراء مشاكل صحية يتسبب فيها تلوث الهواء بشكل مباشر. وتحتل عوادم السيارات مكانة خاصة على قائمة الأسباب المؤدية لتلوث الهواء، نتيجة احتوائها على كوكتيل من الغازات والمواد الكيمياوية السامة التي تدخل إلى مجرى الدم، ومن ثم إلى معظم أعضاء الجسم بعد استنشاقها بفترة قصيرة. والمفارقة أن معدلات التلوث بكوكتيل عوادم السيارات، تزداد في الدول الصناعية والغنية التي يرتفع فيها عدد السيارات بالنسبة لعدد السكان، ليضاف بذلك المرض والوفاة بسبب عوادم السيارات، إلى قائمة أمراض وأسباب وفيات الأثرياء والأغنياء.