في وقت سابق من هذا العام عندما بدأت التظاهرات الاحتجاجية تنتشر عبر العالم العربي، التقت خبيرة الإنترنت الألمانية الشابة "كاترينا فيركلاس"، عدداً من الناشطين المصريين، ووجهت إليهم أسئلة عن التقنية التي يحتاجونها أكثر من غيرها: هل يحتاجون إلى المزيد من الكمبيوترات النقالة؟ أم إلى إمكانيات دخول أفضل وأسرع للمواقع المختلفة على شبكة المعلومات الدولية؟ أم أدوات لتفادي الرقابة؟ أم برامج لتنزيل الأفلام؟ والإجابة التي تلقتها "فيركلاس" من هؤلاء الناشطين كانت بسيطة للغاية وهي الحصول على هواتف محمولة أكثر أماناً لأنهم "بحاجة لتخزين كمية هائلة من المعلومات على تلك الهواتف تتعلق بقوائم الأصدقاء، والرسائل النصية، والأفلام". ولكن خطورة تلك الهواتف كانت تتمثل في أنه عندما يتم القبض على منظم الاحتجاج أو التظاهرة، فإن كل المعلومات والبيانات المسجلة على هاتفه -بما في ذلك أسماء وأرقام الهواتف الخاصة بالناشطين الآخرين- تقع في أيدي الأجهزة الأمنية. و"كانت تلك واحدة من المشكلات التي نستطيع أن نفعل شيئاً بشأنها"، هكذا تقول "فيركلاس" التي تدير منظمة غير ربحية مقرها نيويورك. وتوضح ما تعنيه فتقول "لقد فزت بمنحة من وزارة الخارجية الأميركية، ساعدتني على إنتاج تطبيق حاسوبي اسمه «إن ذي كلير» يتضمن زرّاً للمحو، يساعد الناشطين على محو المعلومات الحساسة على الفور، وزرّاً آخر للاستغاثة وظيفته إرسال رسالة مسجلة مسبقاً تقول "لقد قبض عليّ" مع تبيان إحداثيات المكان الذي يوجد به الناشط. ومن المقرر إطلاق هذا التطبيق رسميّاً هذا الشهر، وإن كانت هناك نسخ تجريبية قد تم توزيعها بالفعل بشكل غير رسمي، من خلال نقلها من هاتف إلى هاتف. و"هذا الهاتف يستخدم في سوريا الآن بالفعل" هذا ما أكده رضوان زيادة الناشط السوري المعارض في واشنطن الذي يقول أيضاً: "إنه مفيد جدّاً في حماية المعلومات والحيلولة دون وقوعها في أيدي قوات الأمن". وفي الوقت الراهن يتأهب الكونجرس الأميركي لإجراء تخفيضات ضخمة في الإنفاق الفيدرالي، بما في ذلك الإنفاق على المساعدات الخارجية. وأرى أن هذا البرنامج واحد من البرامج التي ينبغي استثناؤها من ذلك. وعندما بدأ ناشطو حقوق الإنسان يفكرون في الكيفية التي يمكن بها للإنترنت مساعدة الحركات الديمقراطية في مختلف أرجاء العالم، انصب تفكيرهم في البداية على الجزئية الخاصة بتسهيل عملية الدخول على المواقع المختلفة على الشبكة الدولية، أي تلك المتعلقة بكيفية مساعدة المستخدمين في دول غير صديقة للإنترنت على الدخول على الشبكة، واستلام المعلومات التي لم تتعرض للرقابة. ولذلك السبب وجهت الموجة الأولى من موجات الإنفاق من قبل الحكومة الأميركية لابتكار تطبيقات وبرامج تساعد المستخدمين على"الالتفاف"، أي رؤية المواد التي لا تريد حكوماتهم أن يروها. ولكن تظاهرات 2009 في إيران، وانتفاضات الربيع العربي هذا العام، أظهرت بجلاء أن الشيء الذي يريده الناشطون الديمقراطيون من التقنية، ليس استخدامها في قراءة الأخبار، وإنما استخدامها كي يصنعوا هم بواسطتها الأخبار. ففي إيران أظهرت أشرطة الفيديو المعروضة على موقع "يوتيوب" كثيراً من أحداث ومشاهد التظاهرات وردود فعل السلطات عليها. وفي مصر وتونس ساعد موقع التواصل الاجتماعي "الفيسبوك" الناشطين الشباب على تنظيم التظاهرات، وفي كل مكان كانت أداة تقنية المعلومات الأكثر انتشاراً، أي الهواتف النقالة الرخيصة الثمن، هي الأداة التي ساعدت شبكات المعارضة على الانتشار والنمو. وكان من المحتم أن يكون رد الحكومات القمعية في المنطقة على كل ذلك، هو اللجوء إلى المزيد من الإجراءات المضادة. ففي مصر على سبيل المثال لجأت الحكومة إلى تعطيل خدمة الإنترنت أثناء الاحتجاجات التي بدأت في ذلك البلد في 25 يناير من العام الجاري (ولكن ذلك الإجراء لم يوقف الثورة). وفي سوريا لجأت الحكومة إلى تشغيل خدمة "الفيسبوك" للتجسس على الناشطين، وإعداد قوائم بأسماء أصدقائهم على الموقع. يقول"زيادة": "لقد تحول الأمر إلى شيء أشبه بلعبة القط والفأر. فالقط هنا -الحكومة- يمتاز بالقوة، ولذلك فإن الفئران -الناشطين- كانوا بحاجة إلى أن يكونوا أسرع وأكثر ذكاء". ومن جانبها ترى "فيركلاس" أن: "هذا البرنامج التطبيقي الحاسوبي الذي تموله أميركا لا يستطيع حماية الناشطين من رقابة وكالات الاستخبارات المتقدمة، ولا قوات الشرطة المتطورة، لأنه مجرد وسيلة أمنية من المستوى المتوسط، ولا يمكن اعتباره تطبيقاً متقناً خاليّاً من الثغرات". وسيكون شيئاً طيباً بالطبع لو قامت صناعة التقنية الأميركية، التي تتحدث كثيراً عن نفسها، بتوفير تلك الأدوات من تلقاء نفسها -أي بدون طلب من الحكومة- ولكن ليست هذه هي الطريقة التي تعمل بها الأسواق. وتوضح "فيركلاس" ذلك بقولها: "تركز الأسواق جل نشاطها على المؤسسات التجارية، والمستخدمين المنزليين ممن يملكون الإمكانيات المادية التي تمكنهم من شراء التطبيقات المتطورة، ولا تهتم كثيراً بالصحفيين في سوريا ولا بالطلاب في إيران... وبهذا المعنى يمكن القول إن السوق قد عجز عن الاستجابة للاحتياجات الجديدة للتقنية". ولذلك، ترك الأمر لوكالات وزارة الخارجية الأميركية المختصة، التي لا تعتبر هي أذكى الوكالات داخل الحكومة الأميركية، وكذلك تركت لبعض المؤسسات غير الربحية العاملة في مجال التقنية مثل تلك التي تمتلكها فيركلاس مهمة ملء الفراغ". ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ دويل مكمانوس كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم. سي. تي إنترناشيونال