تابعت التغطية الإعلامية وقرأت التعليقات التي صاحبت ذكرى 11/9 مؤخراً، وأدهشتني مجدداً التغييرات العميقة التي اكتسحت منطقة الشرق الأوسط خلال العام الحالي. لا شك بأن الحادي عشر من سبتمبر كان ذروة الاعتداءات بالنسبة لأعضاء تنظيم “القاعدة”. فقد احتلوا عناوين الأخبار في العالم بتنفيذهم لهجوم عنيف صاعق ملؤه الكراهية. لقد تبعه هجمات شنيعة أخرى - ففي عام 2005 تعرض بلدي لاعتداء أدى لمقتل 51 من المواطنين الذين كانوا في طريقهم إلى أعمالهم على متن وسائل النقل العام. لكن أعضاء تنظيم "القاعدة" لم يتمكنوا مرة أخرى من تنفيذ أي هجوم بفظاعة ما حدث في ذلك اليوم في نيويورك. عدوهم المعلن هو الغرب، لكنهم لم يحققوا أي نجاح كبير هناك منذ بضع سنوات، وضحاياهم من القتلى منذ 11/9 كان أغلبهم مسلمين. فقد قتلوا مئات العراقيين عمداً، ومازالوا مصدر تهديد في الجزائر وفي مناطق الاضطرابات في العالم كالصومال واليمن، ونفذوا عمليات منفردة في أماكن أخرى، بما فيها نيجيريا. لكن بينما احتفظ أعضاء تنظيم "القاعدة" ببعض قدرتهم على الترهيب، بعد مرور عشر سنوات على هجمات نيويورك، فإنهم فقدوا تقريباً كل قدرتهم على الإلهام. وأعتقد بأن مصيرهم كان دائماً هو الفشل نظراً للأيديولوجية السلبية التي يتبنونها. فقد سعوا لاستغلال الإحساس بالظلم، لكنهم فعلوا ذلك بمناشدة مشاعر الكراهية واليأس. وموّال الكراهية والدمار الذي يكررونه لم يؤدِّ سوى للمزيد من العنف والبأس. وحتى من أيدوا تنظيم "القاعدة" بداية نفروا منه لاحقاً حينما أدركوا بأن أساليبه تنطوي على قتل مدنيين أبرياء. فلم يكن لدى أعضاء “القاعدة” يوماً أي برنامج يهدف لتحسين حياة المواطنين العاديين. لقد شهدت أيديولوجيتهم تراجعاً مستمراً في الدول الإسلامية، لكن التاريخ سيشهد بأن ما أدى للقضاء على “القاعدة” في 2011 ليس مقتل بن لادن - رغم أن ذلك كان حدثاً رمزياً كبيراً - بل هو "الربيع العربي"، الذي برهن على أن تنظيم "القاعدة" لا يعني الشعوب في أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. فطوال الشهور السبعة الماضية عبّر مئات آلاف المواطنين عن شعورهم باليأس والظلم بالخروج في مظاهرات سلمية. وسعوا إلى تحقيق نتائج إيجابية وملموسة - تتمثل بحريات سياسية واقتصادية أكبر، واحترام لحقوق الإنسان للجميع، وسيادة القانون، والقضاء على الفساد في الحكومة. وخلافاً لما حققه الإرهابيون، حقق المتظاهرون أثراً حقيقياً في بلد تلو الآخر في المنطقة. ففي تونس ومصر استطاعوا الإطاحة بحكومات مستبدة وانطلقت في البلدين عمليات ديمقراطية. وفي مصر يخضع الرئيس السابق للمحاكمة حالياً، وفي تونس سوف تجرى في الشهر القادم أول انتخابات ديمقراطية على الإطلاق. وفي ليبيا تمت الإطاحة بنظام القذافي الاستبدادي، ويعمل "المجلس الوطني الانتقالي" حالياً على تشكيل حكومة أفضل تمثيلًا لرغبة الشعب الليبي. وقد وعد المجلس بإطلاق عملية سياسية شمولية، وتوفير الأمن للجميع، وإجراء انتخابات مبكرة. وفي الأردن حدد الملك عبدالله رؤية مستقبلية لمجتمع ديمقراطي، وتعهد كذلك بالإصلاح الاقتصادي، وهو يجري مشاوراته مع المجتمع الأردني بشأن التفاصيل. وهناك إصلاحات جارية في المغرب أيضاً. ويجري الآن في كافة أنحاء المنطقة إحلال الظلم واليأس بالأمل والكرامة. بعد بضعة أيام من ذكرى هجمات 11/9 نشر قادة تنظيم "القاعدة" شريط فيديو زعم فيه بأن الربيع العربي يمثل انتفاضة الأمة الإسلامية ضد الغرب، وحاولوا نسبها لأنفسهم. يذكرني ذلك بجنرالات قدماء متقاعدين لم يستطيعوا في تسعينيات القرن الماضي من فهم الثورات في أوروبا الشرقية، وكانوا مازالوا - داخل عقولهم - يحاربون في الحرب الباردة. وبالمثل فإن قيادات تنظيم “القاعدة” لا يستطيعون إدراك أن شعوب الشرق الأوسط رأوا التعبير الحقيقي عن تطلعاتهم ليس في مقر البرجين في نيويورك عام 2001، بل في ميدان سيدي بوزيد وميدان التحرير في 2011. ذلك لا يعني بأن على الغرب التهاون بشأن علاقاته مع العالم العربي أو الإسلامي. فمازال هناك الكثير من الجروح التي يتعين إبراؤها، وبينما نقلب صفحة عقد من الأعمال الإرهابية التي ارتكبت بسبب تيارات راديكالية، علينا أن نفتح صفحة جديدة ببناء علاقات جديدة مبنية على تبادل الثقة والكرامة والاحترام بين الشرق والغرب. ولدى قيامنا بذلك علينا أن نحقق توازنا مهماً. إننا نعلم بأنه لا يمكن تحقيق سلام دائم ولا نجاح على الأجل الطويل دون تطبيق إصلاح أساسي. وسوف ندافع عن قيمنا. ولن نقبل بالفساد وسوء إدارة الاقتصاد كثمن ضروري للحفاظ على الاستقرار، أو نتوقع أن ترضى الشعوب بوعود زائفة وإصلاحات شكلية. بل سنعمل بدلاً عن ذلك على دعم المنادين بإصلاحات حقيقية، بمن فيهم من يشغلون مناصب في الحكومات الحالية، لكي تكون نظرة الأجيال القادمة للمستقبل ملؤها الأمل، لا اليأس. لكن هذه الثورات ليس ثوراتنا نحن لكي نحاول تحديد معالمها أو التحكم بها، وفي النهاية فإن شعوب المنطقة هم من يحددون مستقبلهم بأنفسهم. بالطبع لا يمكن أن تبدأ مرحلة جديدة في الشرق الأوسط إلى أن يتوصل الإسرائيليون والفلسطينيون لتسوية عبر المفاوضات. وكون هذا الجرح مازال ينزف هو برأيي أكبر فشل دبلوماسي في السنوات الخمسين الماضية. ويطالب الفلسطينيون والإسرائيليون أيضا بالاحترام والحرية - لكن ما يطالبون به هو حرية من التهديد بالدمار وحرية من الاحتلال. آمل أن تتسم المرحلة الجديدة التي بدأها "الربيع العربي" بجهود مشتركة بين الدول العربية والغربية لحمل الطرفين على استئناف المفاوضات. وسوف تتجه كافة الأنظار مجدداً نحو نيويورك خلال الأسبوع الحالي، حيث يتوقع الكثيرون تصويتاً على الاعتراف بالدولة الفلسطينية (رغم أنه ليس من الواضح وقت كتابتي لهذا المقال ما الذي سيحدث). لكنني أعتقد، مرة أخرى، بأن الحل الحقيقي والضمان الحقيقي لأن ينعم الشرق الأوسط بالسلام والازدهار لا يوجد في نيويورك، بل في الشوارع والميادين - وحول طاولات المفاوضات - في المنطقة نفسها. أليستر بيرت وزير شؤون الشرق الأوسط بوزارة الخارجية البريطانية