قد يتفق معظم الأميركيين على أن الصدمة الرئيسية التي وجهت لهم بواسطة هجمات 11 سبتمبر، هي الكشف عن عدم مناعة أميركا كدولة وأنها معرضة للهجمات شأنها شأن أي دولة أخرى. وهناك صدمة أخرى وشيكة سوف تُظهر هي الأخرى إلى أي حد باتت أميركا دولة عادية ومنكشفة، وهي تلك التي ستنتج عن قيامها باستخدام حق الفيتو لإجهاض الطلب الفلسطيني لدى الأمم المتحدة للحصول على حق إعلان الدولة. وخلال القرن ونصف قرن اللذين سبقا الحادي عشر من سبتمبر، تمتع المواطنون الأميركيون بالمناعة الفردية والوطنية، ضد المؤثرات والهجمات الخارجية المدمرة، خلافاً لما كان عليه الحال بالنسبة لمواطني أي دولة كبرى أخرى. وفي العقود الأخيرة كتب الكثير عن حجم الخطر النووي الذي كان يهدد أميركا في الخمسينيات. ومن واقع تجربتي أستطيع القول إن الأمر لم يكن على ذلك النحو الذي جرى تصويره بل إن حادثاً كبيراً مثل حادث نشر الصواريخ السوفييتية النووية في كوبا، تبين فيما بعد أنه لم يتم بالصورة التي تم تصويره بها؛ أي كنصر لأميركيا. والحقيقة أن الأشخاص الذين كان منوطاً بهم اتخاذ القرار في واشنطن آنذاك، قد ارتعشوا واصطكت ركبهم، وصلوا من أجل أن يمر الأمر دون حدوث كارثة. لقد كان تهديد الصواريخ النووية السوفييتية كبيراً لدرجة أنه لم يكن هناك ما يمكن عمله بشأنه، لكن من حسن الحظ أنه لم يكن هناك أحد في موضع المسؤولية على درجة من الغباء، يمكن أن تدفعه لإشعال نار حرب نووية. واستمر هذا الشعور بالمنعة من جانب الأميركيين لفترة طويلة بعد ذلك. صحيح أن محصلة ما حدث في الحرب الفيتنامية قد هددت ذلك الإحساس، لكنه كان بمقدور الأميركيين أن يقولوا: حسناً... لقد انتهى الأمر في الحرب الفيتنامية على ما انتهى إليه! لكن لا يخفى عليكم أنه كان بمقدورنا كسب تلك الحرب لو كنا قد استخدمنا كل قوتنا. ولا ينطبق هذا الأمر على فيتنام فحسب. فالعراق مثلا، لم يعد هناك أحد ينظر إليه الآن على أنه كان هزيمة، وإنما مجرد خطأ ناتج عن الارتباك وعدم الكفاءة! علاوة على أن قواتنا لن تبقى هناك بل ستكون قد خرجت كلها بنهاية عام 2012 ، وعندها سوف يصبح الموضوع برمته شيئاً من الماضي. بعد انتخاب أوباما، وقبل أن يتولى الحكم رسمياً، اعتقد فريقه " الفريق الرئاسي المؤقت" أنه كرئيس جديد سوف يكون عرضة للابتزاز الرسمي في المسائل الخاصة بالأمن القومي، خصوصا تلك المعلقة منذ عهد بوش، وهو ما دفعهم لنصحه بأن يفعل ما يقترحه عليه مسؤولو الدفاع والأمن القومي. وبالنسبة لقضايا الشرق الأوسط قد لا تكون الثقة في الرئيس كبيرة حالياً، وهو ما يجعل كثيراً من الأميركيين يشعرون بالانكشاف أمام التهديدات الآتية من تلك المنطقة المضطربة، وخصوصا تلك التي تتسبب فيها إسرائيل. ويشار في معرض التدليل على ذلك أن مسؤولا بوزارة الخارجية الأميركية أكد أن الولايات المتحدة تنوي استخدام الفيتو ضد الطلب الفلسطيني المتوقع للحصول على اعتراف مجلس الأمن الدولي بالدولة الفلسطينية. وإذا ما أضفنا لذلك أن مصادر الكونجرس قد أعلنت أنه سوف يوقف إرسال الأموال للسلطة الفلسطينية إذا ما مضت قدماً في خطتها الرامية لنيل الاعتراف الأممي، فسندرك أن أمننا القومي قد عاد للانكشاف مجدداً. ورغم أنه من المتوقع أن يفجر الفيتو الأميركي على المحاولة الفلسطينية غضب الكثيرين في العالم العربي والإسلامي، وأن كثيرين قد حذروها من مغبة ذلك، وضمنهم مسؤول استخبارات في دولة عربية مهمة في مقالين له نشرا في صحيفتين أميركيتين كبيرتين تنبأ فيهما بأن مثل هذا الإجراء سيدفع دولته التي ترتبط مع واشنطن بعلاقات وثيقة طويلة الأمد، لتبني سياسة خارجية مستقلة قد تؤدي لتعقيد خططها (خطط أميركا) في العراق وأفغانستان. ورغم تلك التحذيرات الصريحة فإن إدارة أوباما لا تبدو عابئة بشيء. أما بالنسبة لرد الفعل المتوقع من جانب الفلسطينيين، فيشار إلى أن استطلاعات رأي حديثة قد أظهرت أن 70 في المئة منهم يتوقعون انتفاضة جديدة إذا ما استخدمت أميركا الفيتو ضد الاعتراف بدولتهم. ويرى المراقبون أن الأمة الأميركية، باقتصادها وعلاقاتها مع العديد من الدول المهمة في الشرق الأوسط وما وراءه، باتت منكشفة أمام العديد من الكوارث. أوباما وحده هو القادر على عكس اتجاه هذا التيار، وإنقاذ الأمر برمته، وذلك بإعلانه أن الولايات المتحدة سوف تصوت في صالح العضوية الكاملة لفلسطين في الأمم المتحدة، وأنها ستستخدم كافة الوسائل المتاحة لإقناع إسرائيل بالانسحاب من المستوطنات، وفقا لقرار التقسيم الصادر من الأمم المتحدة عام 1948، وأنها ستبذل كل ما بوسعها لفرض الحل الذي يدرك الجميع أنه الحل الحتمي، والدائم، والعادل، لهذه المشكلة. ويليام فاف كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "تربيون ميديا سيرفس"