"تلاكيك" كلمة من العامية المصرية اختفت من القاموس المعاصر لدى الأجيال الجديدة، وكنت اسمعها من جدتي منذ أكثر من خمسين عاماً في وصف موقف الشخص المفلس المغرض الذي تحكمه النوايا الشريرة تجاه آخر، وبالتالي يتربص به محاولاً ترصد أي خطأ يصدر عنه بقصد تصيده والإيقاع به وإلصاق تهمة ظالمة به. لم أجد أفضل من هذه الكلمة لوصف موقف أفيجدور ليبرمان وزير خارجية إسرائيل، الذي أصدر تعليمات إلى سفاراته في أوروبا والولايات المتحدة بالتحرك لتقديم احتجاج ضد السلطة الفلسطينية. مناسبة هذا التحرك كما يقول "ليبرمان"، هي تلك التصريحات التي أدلى بها سفير منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن لبعض مراسلي الصحف، والتي قال فيها إن الدولة المرتقبة والتي يأمل الفلسطينيون أن تعترف بها الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الشهر، يجب أن تكون خالية من اليهود. وقد اعتبر "ليبرمان" هذه التصريحات التي صاغها على النحو السابق مخرجاً إياها عن سياقها الحقيقي بمثابة التعبير عن العنصرية العربية ضد اليهود، وأنها تصريحات تنتمي إلى سياسات هتلر التي كانت ترمي إلى تطهير ألمانيا من اليهود. لقد طالب "ليبرمان" الدول التي ستتوجه إلى الجمعية العامة هذا الشهر للتصويت على الاعتراف بالدولة الفلسطينية، بأن تضع هذا التوجه في اعتبارها عند التصويت. في تقديري، أن هذه المحاولة الإسرائيلية هي مجرد "تلكيك" يعبر عن إفلاس السياسة الإسرائيلية، بعد أن افتضح أمرها أمام العالم برفض التفاوض وإخراج الدولة الفلسطينية إلى الوجود، وبعد أن أصبح العالم قاب قوسين أو أدنى من الاعتراف بالدولة سواء كانت دولة كاملة العضوية أم دولة بصفة مراقب. لم يجد الساسة الإسرائيليون في جعبتهم بعد أن أعلنت 126 دولة اعترافها بالدولة، كما قال محمود عباس في القاهرة منذ أيام، سوى أن يحرفوا كلام السفير الفلسطيني، وأن يبنوا عليه قصة ويختلقوا دراما سياسية يحركون بها سفاراتهم المفلسة. الحقيقة أن السفير الفلسطيني "معن عريقات" قد أجاب عن سؤال وجّهه إليه أحد الصحافيين حول حقوق الأقليات وأوضاعها في الدولة الفلسطينية المقبلة، فقال إن منظمة التحرير مهتمة بإقامة دولة علمانية لا تمييز فيها ولكنه يعتقد أنه بعد 44 سنة من الاحتلال الإسرائيلي أنه من مصلحة الطرفين أن يعيش كل شعب منفصلاً عن الآخر، وأن الفلسطينيين يجب أن يعيشوا وحدهم لبلورة هويتهم الوطنية. السياق كما هو واضح لا يحمل أي عنصرية أو تمييز ضد اليهود، فهو يتحدث عن تجربة الاحتلال الإسرائيلي ومراراتها، وعن تطلعات مشروعه لبلورة هوية الشعب الفلسطيني في دولتهم. ترى هل ستنجح محاولة التلفيق والتلاكيك الإسرائيلية في تغيير موقف العالم؟ لا أعتقد. د. إبراهيم البحراوي أستاذ الدراسات العبرية - جامعة عين شمس