تفيد التقارير الإعلامية المنشورة في الآونة الأخيرة بأن إدارة أوباما قررت الشروع في خفض كبير للقوات الأميركية التي سيتم الاحتفاظ بها في العراق بعد انتهاء العام الجاري، لتبقى في حدود ثلاثة آلاف جندي فقط، وهو الرقم الذي نفته لحد الآن الدوائر الرسمية في الإدارة، ونأمل ألا تكون تلك التقارير التي تتحدث عن تقليص كبير في عدد القوات التي ستمكث في العراق تقارير صحيحة، لأن ذلك ببساطة يتعارض مع النصائح والتوصيات التي تقدم بها القادة العسكريون للبيت الأبيض، كما سيؤدي الخفض إلى تعريض الاستقرار الهش في العراق إلى مخاطر جمة، بالإضافة إلى الإضرار بالمكتسبات الصعبة التي حققتها الولايات المتحدة هناك على مدى السنوات الماضية بكلفة باهظة في الأرواح والأموال. ومن خلال زياراتنا المتعددة إلى العراق ولقاءاتنا المتكررة بالمسؤولين العراقيين والقادة العسكريين والدبلوماسيين في بغداد، كنا دائماً نسمع نفس الكلام عن أن استقرار العراق وأمنه يستدعيان استمرار، وإن بشكل أقل، القوات الأميركية حتى بعد انتهاء العام الجاري عندما تنقضي الاتفاقية الأمنية الموقعة مع العراق. وقد سمعنا أيضاً من الخبراء العسكريين أنه لحفظ الأمن والاستقرار في العراق سيتعين على المهمة الأميركية الاستعانة بعدد يتراوح بين 10 آلاف و25 ألف جندي، ولم يذكر أحد أن إنجاح المهمة الأميركية لما بعد 2011 يمكن أن يتحقق بثلاثة آلاف جندي، لأنه من الواضح أن عدداً ضئيلاً من القوات لن يكون كافياً لإنجاز المهمة وحماية العراق من الأخطار المتربصة بأمنه. وقد طُرحت فكرة البقاء في العراق بأعداد كافية من الجنود في لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ الأميركي خلال شهر فبراير الماضي، من قبل كبار مسؤولينا المدنيين والعسكريين في بغداد، سواء السفير "جيمس جيفري" أو الجنرال "لويد أوستين"، حيث اتفقا معاً على وجود ثغرة كبيرة في قدرات القوات المسلحة العراقية، وعلى أن تلك الثغرة الخطيرة لا يمكن سدها بأي حال من الأحوال مع نهاية السنة الجارية، بما في ذلك المهام المتعلقة بجمع المعلومات الاستخباراتية، وعمليات مكافحة الإرهاب والتدريب وصيانة المعدات، فضلاً عن حماية المجال الجوي العراقي الذي يظل خارج قدرة الجيش العراقي، ولمساعدة العراقيين على معالجة هذه الإشكالات وحماية أراضيه من أي اعتداء أو تمدد خارجي، سيكون لزاماً على القوات الأميركية المكوث في العراق بعد 2011 بأعداد متفق عليها لكنها كافية لإنجاز مهمة حماية العراق وضمان استقراره. ولعل المهمة الأكثر أهمية التي يتعين على القوات الأميركية الاضطلاع بها هي في شمال العراق حيث يحتد التوتر بين العرب والأكراد. فخلال الآونة الأخيرة كاد التوتر يتطور في عدة مرات إلى أعمال عنف، وكان لوجود القوات الأميركية دور حيوي في منع تدهور الأمور ونشوب صراع مسلح قد ينتهي إلى حرب أهلية. ولتفادي مثل هذا المصير لابد من بقاء عدد كاف من القوات الأميركية في العراق بعد 2011، وهي بالقطع أعداد أكبر من الرقم ثلاثة آلاف جندي الذي تناقلته بعض وسائل الإعلام. ومع أن أي قرار بإبقاء القوات الأميركية في العراق يتعين أن يتم التفاوض بشأنه مع القادة العراقيين، لاسيما وأن موضوع التمديد للجيش الأميركي ينطوي على حساسية بالغة، إلا أننا لم نسمع قط اعتراضاً واضحاً على ذلك من القوى العراقية التي طالبت باستمرار التواجد الأميركي. والحقيقة أن جميع الكتل السياسية العراقية، باستثناء الصدريين، وافقوا على بدء المفاوضات لتحديد مهام القوات الأميركية بعد عام 2011، وهو ما يعكس اختراقاً مهماً في تفكير العراقيين ورغبة واضحة في بقاء القوات الأميركية. وفي هذا الإطار كان رئيس إقليم كردستان، مسعود برزاني، واضحاً عندما حذّر مطلع الشهر الجاري من أن "قوات الأمن العراقية ليست جاهزة بعد لتأمين العراق"، لذا فإذا فشلنا في التوصل إلى اتفاق مع العراقيين لتمديد تواجد قواتنا، فسيكون من الخطأ تحميل المسؤولية للعراقيين بالنظر إلى تأييدهم الصريح لبقاء الجنود الأميركيين، وقد يذهب البعض في أميركا إلى أن الاعتماد على قوات صغيرة في العراق لا تتجاوز الثلاثة آلاف جندي تفرضها الظروف الاقتصادية الصعبة لأميركا وحالة العجز المالي الذي تعيشه الولايات المتحدة، لكن الحفاظ على عدد أكبر من القوات لن يحدث فرقاً كبيراً في مصاعبنا المالية، في حين سيكون الفرق واضحاً بين عراق مستقر وآمن وآخر مضطرب ينزلق إلى الفوضى والعنف، وهو الأمر الذي سيكلف الأميركيين ثمناً باهظاً. ولا ننسَ كذلك أن انسحاباً كلياً من العراق سيُنظر إليه في العالم بأسره على أنه اندحار لأميركا وتعزيز لقوة خصومنا في المنطقة المتمثلين في إيران و"القاعدة". فعندما غادر السفير السابق "رايان كروكر" بغداد بعد انتهاء مهمته، حذّر من أن "الأحداث التي سنتذكرها نحن ومعنا العالم في العراق لم تحصل بعد"، وها هي الفرصة أمامنا للقيام بشيء نتذكره فيما بعد، لاسيما بعد التضحيات الجسيمة للأميركيين والعراقيين لإعادة الاستقرار إلى البلد والقطع مع العنف والفوضى. وسواء أكان العراق سيواصل استقراره أم سينزلق إلى الاضطراب، فالأمر يعتمد اعتماداً كبيراً على القرارات التي سنتخذها. ولعل هذا الإدراك بجسامة الوضع في العراق هو ما دفع أوباما بعد توليه الرئاسة إلى التريث قليلاً وعدم التسرع في سحب القوات الأميركية، عكس ما كان يريده بعض مساعديه. ومن أجل مصلحتنا القومية اليوم وغداً، نطلب من أوباما مجدداً عدم التسرع والإصغاء إلى القادة العسكريين وباقي الخبراء في العراق، ورفض المطالب الراديكالية التي تصر على إبقاء عدد قليل من الجنود، باعتباره خطأً كبيراً لبلادنا ترتكبه في السياسة الخارجية والأمن القومي. جون ماكين سيناتور "جمهوري" من آريزونا ---------------------- جوزيف ليبرمان سيناتور "ديمقراطي" من كونيكتيكات ------------------------------ ليندسي جراهام سيناتور "جمهوري" من كارولينا الجنوبية ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس"