يتفق الكثيرون على أن نتائج ثورات الربيع العربي تقاس بنتائج الثورة المصرية، حيث ستكون بمثابة البوصلة التي تحدد مسار المنطقة خلال هذا القرن وربما لقرون قادمة. وتعيش الثورة المصرية حالة من الترقب المشوب بالحذر والأمل، وتختلط مشاعر محبي مصر وشعبها في كل مكان بين تفاؤل مفرط، وبين خوف وحرص على الثورة من أن تختطفها أطراف لا تتوافق أجنداتها مع مطالب الشعب المصري العظيم. خوف على الثورة من أن يختطفها العسكر، وخوف من أن يختطفها الدين السياسي ويحولها لدولة دينية شبيهة بإيران، وخوف من أن تلعب قوى الدين السياسي غباء مع أطراف خارجية لإدخال البلد في دوامة عنف طائفي لا يعلم أحد مداه ومنتهاه. مشهدان برأيي ستعمل قوى إجهاض الثورة على ترسيخهما للانحراف بالثورة المصرية عن مطالبها: الأول هو مشهد محاكمة الرئيس المصري السابق حسني مبارك وأركان نظامه، وهي محاكمات مستحقة بكل تأكيد، فلا يمكن لثورة أن تدفع بدماء شبابها لتنتهي إلى تغيير رئيس برئيس وحسب، ولا يعقل ألا يكون هناك من يتحمل مسؤولية ما جرى من فساد وقمع وقهر للشعب المصري طيلة السنوات الماضية، ولكن هناك من يريد أن تكون المحاكمة هدفاً بحد ذاتها، فتشغل الناس، وتعلكها الصحافة ليل نهار، وتلوكها وسائل الإعلام بلا توقف، وتتحول إلى مادة للجدل والتنظير وحرف الناس عن تحقيق الأهداف الأساسية لثورتها بالحرية والديمقراطية وسيادة القانون ومحاربة الفساد. وتكون مركزاً لثقافة انتقامية لا تنتهي بنهاية النظام وأركانه، بل تطول كل من كان معه وهم بالملايين. أما المشهد الثاني، فهو مشهد اقتحام السفارة الإسرائيلية، وهو مشهد لا يمكن لعاقل أن يبرره ضمن أهداف الثورة، فقد بدأ الاحتجاج المشروع سلميّاً ضد السفارة الإسرائيلية لقتل الإسرائيليين بدم بارد جنوداً مصريين على حدود سيناء، ولكن اندسّ بين المتظاهرين من يريد إيصال رسالة للغرب ولإسرائيل أيضاً: انظروا أين تتجه الأمور بعد سقوط مبارك، سوف تتجه نحو معاداة إسرائيل والغرب، فدعوا لنا ترتيب البيت المصري دون تدخل دولي مما سيضمن الاستقرار وعدم الوصول إلى نظام يعادي إسرائيل ويخرب مصالحكم. كما أن هناك قوى الدين السياسي في مصر التي لا تملك برنامجاً لدولة مدنية ديمقراطية، وهي قوى تعيش على العاطفة وتنشد عزلة الناس عن الواقع، وتعلق على أعداء الخارج كل أسباب الإخفاق، وتريد إشغال الناس عن مطالبهم الحياتية وتحقيق الحرية والديمقراطية، فتعيد تشغيل أسطوانة "إسلامية المعركة والجهاد" بدلاً من "قومية المعركة وصوتها الذي لا صوت يعلو فوق صوته"، وذلك من أجل إشغال الداخل بمعارك الخارج. وعلينا أن نتذكر إسرائيل التي لن يهدأ لها بال بتطور مصر نحو الديمقراطية والبناء، وسوف تعمل جاهدة على السيناريو الأفضل لأمنها القومي، وهو دخول مصر بدوامة العنف الإسلامي- المسيحي، الذي ستعمل قوى الدين السياسي على تحقيقه، بغباء منقطع النظير. كما أن أصابع الاتهام بمحاولة انحراف الثورة في حادثة السفارة الإسرائيلية قد لا تنحصر بفاعل مصري، فهناك قاعدة في علم المباحث والعلوم الجنائية تقول "إن لم تجد الجاني الذي ارتكب الجريمة، فابحث عمن له مصلحة في ارتكابها"، إذن، فلنفكر بمصلحة نظام عربي يترنح اليوم وقد هدد بعض رموزه إسرائيل بالويل في حالة سقوطه؟ فمن يدري: قد تكون وراء أحداث السفارة قوى تساند التخريب بمصر، في محاولة لوقف الثورة ضد نظامها؟ ثار المصريون من أجل الحرية والعدالة والديمقراطية والبناء، ومواجهة إسرائيل الحقيقية تكون من خلال ترجمة شعارات الثورة ومطالبها، لا من خلال اختطاف الثورة وحرفها عن أهدافها.