أحد المتطلبات الرئيسية لتحقيق الأمن المنشود في الخليج العربي هو إزالة فكرة استخدام القوة العسكرية بين دول المنطقة من جانب، وبين أي طرف فيه والقوى الخارجية العظمى والكبرى، من المعادلة الإستراتيجية. ومن جانب تستطيع الدول القوية في المنطقة التخلي عن فكرة تحقيق التفوق العسكري على الجيران، ومن جانب آخر تستطيع دول المنطقة مجتمعة إحلال فكرة التوازن العسكري بأفكار أخرى جديدة تقوم على التقبل المشترك للآخر، وضبط النفس والثقة ببعضها بعضاً. ولو تم تحقيق ذلك، فمن الممكن أن ينتقل الأمر إلى كافة علاقات دول المنطقة بجيرانها خاصة بالنسبة لإيران التي يوجد بينها وبين كافة جيرانها، في الخليج العربي وغيره مشاكل. في الوقت الراهن يوجد عاملان رئيسيان يلقيان بظلالهما على سياسات إيران الأمنية: العامل الأول، هو عدم قدرتها كدولة تواجه مقاطعة دولية، وهي شبه معزولة، على تحقيق توازن كفؤ مع الولايات المتحدة الأميركية وحلف شمال الأطلسي وحلفائهم في المنطقة، آخذاً في الاعتبار أن طهران تواجه تهديدات أمنية على طول حدودها الشمالية، وتعاني من عدم تيقنات استراتيجية على حدودها الشرقية مع باكستان وأفغانستان. والعامل الثاني، هو أن القيادة الإيرانية تعلم بأن وضع إيران الدولي، والواقع مستقبلها كدولة متماسكة ذات اقتصاد سليم يعتمد على قدرتها على تحديث الاقتصاد والمجتمع. ويرتبط بذلك أنها تعلم أيضاً بأنها لن تكون قادرة على التحديث معتمدة على قدراتها الذاتية وحدها، وبأن عليها أن تسعى إلى الحصول على موارد خارجية متعددة للقيام بذلك، خاصة من الولايات المتحدة وأوروبا وجيرانها أعضاء مجلس التعاون الخليجي. ومع الافتراض بأن النظام السياسي الحالي سيستمر في السلطة لمدة طويلة يصبح من غير المعقول تخيل أن تتغير نظرته نحو التحديث في مقابل الحصول على دعم الآخرين لمشاريع التنمية، فإيران ستستمر في الإصرار على استقلالها الإستراتيجي. ونتيجة لما حدث خلال الفترة الماضية منذ إجراء الانتخابات الرئاسية الأخيرة يبدو بأن النظام السياسي الحالي صار ممسكاً بزمام الأمور وسيطور من نفسه وقدراته وقد يعقد صفقات كبرى غير معلنة مع الخارج، وهو في مركز قوة بعد أن فقدت المعارضة في الداخل مؤخراً العديد من مواقعها وقوتها. وأيضاً فإن نظام إيران الاجتماعي والقيمي لا يمكن لهما أن يتغيرا بسهولة، فيمكن لبعض مقولات العولمة الحديثة أن تلعب دوراً من نوع ما في إحداث التغيير، لكن هذا التغير سيكون بطيئاً جداً وسيحتاج إلى وقت طويل لكي ينضج. لذلك من الأنسب لإيران وشعبها التركيز في هذه المرحلة على التقارب والتفاهم المرحلي والإستراتيجي مع الجيران كافة ومع دول الغرب، وبالأخص العمل على نزع مظاهر العسكرة في علاقاتها مع جيرانها في المنطقة ومع الآخرين في خارجها. والقصد من ذلك هو القول بأن المستقبل لا يكمن في المبالغة في التسلح سواء كان تقليدياً أو نووياً. والحقيقة أن زيادة التسلح تزيد من حدة التوتر في المنطقة وتجعل الآخرين ينحون نفس المنحى، وتجمد تحسن العلاقات بين إيران وجيرانها ودول الغرب. ولكي يمكن لإيران إقامة علاقات سوية مع الآخرين تستطيع أن تقوم بأمرين على الأقل: الأول هو أن تتخلى عن برامجها النووية العسكرية، والثاني هو التعامل مع كافة جيرانها على قدم المساواة كدول مستقلة ذات سيادة لها في هذا العالم وزن معترف به مثلها مثل إيران تماماً، ثم بعد ذلك يبدأ الحديث عن الأمور الأخرى.