بعد أن أمضوا شهوراً في القتال من أجل هزيمة العقيد القذافي، يعمل مقاتلو "المجلس الوطني الانتقالي" الليبي في الوقت الراهن بشكل حثيث على تعزيز سلطتهم، بعد أن تمكنوا من تحقيق النصر. وهذه أنباء جيدة للغاية، لأن الأبحاث والدراسات أثبتت أن احتمالات انتهاء الحروب الأهلية التي تنتهي بانتصار حاسم للمعارضين بالسلام الدائم، تزيد أربع مرات عن احتمالات الصراعات التي تنتهي من خلال تسوية متفاوض عليها. ومع ذلك، ونتيجة لأن انتصار مقاتلي المعارضة في ليبيا قد تحقق بسرعة كبيرة نسبياً، وبمساعدة من تدخل عسكري أجنبي، فإن تحقيق استقرار طويل الأمد في ذلك البلد قد يكون أكثر صعوبة مما نعتقد. ومن الحقائق الأخرى المرتبطة بالصراعات الأهلية أنه عندما تفوز قوات المعارضة، كما هو الحال في ليبيا، فإن الاحتمال الأكبر هو أن يسمحوا لعامة الشعب بقدر أكبر من المساهمة في السياسة، مقارنة بما كان عليه الحال في أيام النظام السابق الذي تعرض للهزيمة. ويرجع هذا لأن الحكام الجدد يكونون بحاجة لتعزيز فوزهم وتعضيد مركزهم، فيلجؤون لإضفاء المزيد من الليبرالية على النظام السياسي كوسيلة فعالة لتحقيق ذلك. ومن الأشياء المشجعة في الصراع الليبي أن نظام القذافي تعرض للهزيمة على أيدي قوات "المجلس الوطني الانتقالي"، وهي قوات كانت تفتقر إلى الكفاءة والتنظيم في البداية، لكنها اكتسبت الخبرة والمهارة القتالية بمرور الوقت، علاوة على أن قضيتهم حظيت بقدر كبير من الدعم الشعبي والدولي، مما منحهم زخماً يتزايد باستمرار. والسؤال الأساسي الذي يتردد في ليبيا حالياً هو: هل تتمكن الحكومة الليبية الجديدة من ترجمة انتصارها في ساحة المعارك إلى انتصار في الحكم الرشيد؟ يقودنا هذا إلى التحديات التي تواجه هذه الحكومة. وفي البداية يأتي التحدي الأمني، فرغم أن قوات المعارضة قد تعلّمت بمساعدة من تدخل دولي فعّال كيفية تحييد التفوق النيراني الذي كانت تتمتع به قوات القذافي، إلا أنه من غير الواضح ما إذا كانوا قد تعلموا ما يكفي لتأسيس قطاع أمني قوي بمفردهم. يأتي بعد ذلك التحدي الخاص بالدعم الشعبي. وهنا نجد أن احتمال حصول المتمردين على الدعم الشعبي أفضل كثيراً، وذلك على أساس أن معظم الليبيين يكنون كراهية عميقة لنظام القذافي بما انطوى عليه من استبداد وفساد وفوضى عارمة طبعت سنوات حكمه. ويمثل الوقت عنصراً حرجاً كذلك، لأنه هو الذي يتيح للمتمردين الفرصة للبقاء والنمو وصقل قدراتهم في الحكم. ولتحقيق الشروط التي تعزز المشاركة السياسية، والأمن، والاستقرار، يجب على المتمردين الليبيين أن يظهروا أنهم قادرون على الحكم، وأن يضعوا في أذهانهم أن المكون الأكثر أهمية في الحكم هو القطاع الأمني القوي والعادل. وعلاوة على ذلك يجب على الثوار العمل على فتح المجال السياسي، والاعتراف بأن الكثيرين ممن عملوا مع النظام السابق لم يكونوا بالضرورة من المؤيدين له، وأنهم هم الذين يمتلكون الخبرات المهنية التي قد يحتاجون إليها بصورة ماسة حتى يتمكنوا من حكم ليبيا بفعالية وكفاءة. ------- مونيكا دافي أستاذ مساعد السياسة العامة بجامعة هارفارد ------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"