عزوف الطلاب عن القسم العلمي، وتفضيلهم القسم الأدبي يعدّ أحد التحدّيات الخطرة التي تواجه منظومة التعليم في الدولة، إذ في الوقت الذي تستهدف فيه خطط الإصلاح والتطوير الارتقاء بمنظومة التعليم كي تستجيب لحركة التطوّر التي تشهدها الدولة في مختلف المجالات، فإن الغالبية العظمى من الطلاب تتجه بخياراتها إلى القسم الأدبي، وتبتعد عن الالتحاق بالقسم العلمي، فحسب الإحصاءات التي صدرت عن "مجلس أبوظبي للتعليم"، مؤخراً، فإن نحو 80 في المئة من الطلبة في أبوظبي يتّجهون إلى الدراسة الأدبية، في حين يذهب 20 في المئة فقط إلى القسم العلمي، وهذا لا يستقيم مع توجّه حكومة أبوظبي والإمارات بوجه عام نحو تهيئة المنظومة التعليمية لتخدم خطط التنمية، وبما يجعل الاقتصاد الوطني قائماً على المعرفة والعلوم. إن الخطة التي وضعها "مجلس أبوظبي للتعليم" لا تنفصل عن "رؤية أبوظبي 2030"، فهي تنطلق في شقها التعليمي من أهميّة تسليح الطلاب بأفضل مناهج التعليم، خاصة العلوم العصرية والتطبيقية من أجل التوصّل إلى اقتصاد المعرفة، الذي يحقق التنمية المستدامة والشاملة، لكن مع هذا الواقع الذي ينصرف فيه الطلاب عن الالتحاق بالقسم العلمي، فإن ثمّة صعوبات عديدة قد تحول دون تنفيذ هذه الرؤية مستقبلاً، وتكفي الإشارة في هذا السياق إلى التقديرات التي تتحدّث عن أن التنمية الاقتصادية في إمارة أبوظبي تحتاج إلى 40 ألفاً من المهندسين والتقنيين، من أصحاب المهارة العالية في مختلف التخصّصات في عام 2020، في حين أن نظام التعليم الحالي لا يوفر سوى 3000 فقط. إن عزوف الطلاب عن القسم العلمي ظاهرة تعانيها إمارات الدولة كافة، وليس أبوظبي وحدها، وهو الأمر الذي لاشكّ سيضاعف من تأثيرها المحتمل إذا استمرت الفجوة قائمة بين أولئك الذين يلتحقون بالقسم العلمي وأولئك الذين يلتحقون بالقسم الأدبي، فاستمرار هذه الظاهرة لاشكّ في أنه ينطوي على مردودات سلبية عديدة، تؤثر في سياسة التوطين في الدولة، لأنه مع وجود نقص في الكوادر البشرية المواطنة في التخصّصات العلمية فإن البديل يكون بالتالي هو العمالة الأجنبية والوافدة، كما أن استمرار هذه الظاهرة يؤثر بالسلب في الخطط التنموية المستقبلية، التي تقوم عليها الرؤى والاستراتيجيات الحكومية المستقبلية الرامية إلى إيجاد قاعدة من الكوادر الوطنية المؤهّلة للانطلاق بثقة وثبات نحو الاقتصاد المعرفي. إن تجارب الدول المتقدّمة تشير إلى أن السر وراء نهضتها الصناعية والتكنولوجية يرجع بالأساس إلى أنها تولي أهميّة بالغة لتدريس المواد العلمية والتطبيقية وتطويرها بشكل متواصل كي تخدم أهدافها الاقتصادية، لما لتلك العلوم من دور فاعل وحيوي في دفع عملية التنمية والتطوّر في مختلف مجالات الإنتاج، وهذا ما يدركه القائمون على العملية التعليمية في الدولة، فثمّة قناعة بأهميّة المواد العلميّة باعتبارها المدخل نحو بناء الاقتصاد المعرفي. ولكن برغم أهميّة الخطوات التي تمّ اتخاذها مؤخراً للتعاطي مع هذه الظاهرة، حيث أعلن "مجلس أبوظبي للتعليم" أنه سينشئ مركزاً جديداً للتوجيه المهني، لمساعدة الطلاب على الاختيار، وتحديد وجهتهم، وأعدّت وزارة التربية والتعليم برنامجاً إرشاديّاً يستهدف التعرّف على تفضيلات الطلاب وميولهم المهنية، فإن الأمر يتطلّب أيضاً انخراط باقي الجهات المعنية في جهود الحل، فالأسرة مثلاً مطالبة بتوجيه أبنائها نحو اختيار المسار المهني الصحيح الذي يضمن مستقبلهم، ومؤسسات القطاع العام والخاص يمكن من خلال تقديمها المنح المالية لدراسة بعض التخصّصات أن تدفع الطلاب إلى دراسة العلوم والمواد التطبيقية.