قبل أن يعلن الرئيس الأميركي السابق جورج بوش حربه على الإرهاب، أثناء جلسة مشتركة لمجلسي الشيوخ والنواب الأميركي في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر، كانت هناك حرب أخرى قائمة منذ أكثر من ثلاثة عقود، هي الحرب على المخدرات (War on Drugs) ، والتي أعلنها الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون في السابع عشر من شهر يونيو، عام 1971 . وتعتبر العلاقة بين الحرب على المخدرات والحرب على الإرهاب من المفارقات التاريخية الغريبة، حيث روجت الحكومة الأميركية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر لادعاء مفاده أن نظام "طالبان" يدعم زراعة الأفيون، ويستغل العائد لتمويل العمليات الإرهابية من خلال تنظيم "القاعدة". وإنْ كانت الحقيقة النادرة الذكر، هي أن نظام "طالبان" حرم زراعة الأفيون، وحقق أكبر نجاح في خفض الإنتاج السنوي في تاريخ البلاد. كما أن الدراسات تظهر أنه منذ سقوط "طالبان"، ارتفعت معدلات إنتاج الأفيون لمستويات غير مسبوقة، إلى درجة أن مساحات الأرض المزروعة حالياً في أفغانستان بنبات الخشخاش الذي يستخلص منه الأفيون، تزيد عن مثيلتها في أميركا الجنوبية المستخدمة لزراعة نبات الكوكا الذي يستخلص منه الكوكايين. ومثلها مثل الحرب على الإرهاب، شملت الحرب على المخدرات التدخل العسكري من قبل القوات الأميركية، وتقديم المساعدات العسكرية للدول الأخرى المشاركة في الحرب، بهدف مكافحة الجوانب المختلفة للتجارة الدولية غير الشرعية في المخدرات، بداية بالإنتاج، ومروراً بالتوزيع، ونهاية بالاستهلاك. هذه التجارة قدر حجمها عام 2003 بأكثر من 320 مليار دولار سنوياً، حسب تقارير الأمم المتحدة. ولذا إذا ما أخذنا في الاعتبار أن الناتج القومي العالمي قدر حينها بـ36 تريليون دولار، فسنجد أن التجارة في المخدرات غير الشرعية تشكل نسبة واحد في المئة من إجمالي حجم التجارة الدولية. هذه الأرقام والنسب على ضخامتها، تشهد ارتفاعا وزيادة مطردة بمرور السنين، حيث تقدر حالياً بأنها قد بلغت 400 مليار دولار، مما يضعها في مصاف حجم وقيمة التجارة الدولية في النفط والأسلحة. وتتمتع المخدرات الاصطناعية بنصيب الأسد من الزيادة الحاصلة في إنتاج واستهلاك المخدرات بوجه عام، حيث أظهر تقرير صدر هذا الأسبوع عن مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة (United Nations Office on Drugs and Crime) ، أن المخدرات الاصطناعية، وخصوصاً تلك المشتقة من مادة الأمفيتامين، تجد انتشاراً وإقبالًا متزايداً، كنتيجة لسهولة إنتاجها، ورخص ثمنها. والمقصود هنا بالمخدرات الاصطناعية، المواد الكيميائية التي يتم تصنيعها في المعامل، ولا توجد بشكل طبيعي، مثل الميث-أفيتامين (Methamphetamine) والتيمازيبام (Temazepam) ، مقارنة بالمخدرات الطبيعية، مثل الحشيش، والماريجوانا، والهيروين، والكوكايين. ورغم أن منتجات نبتة الحشيش بأنواعها المختلفة، لا زالت هي المخدر الأكثر استخداماً على الإطلاق، إلا أن المخدرات الاصطناعية أصبحت تحتل المركز الثاني بجدارة، حيث يمكن إنتاجها كما ذكرنا بسهولة ويسر في معامل بدائية، وباستخدام مواد كيميائية زهيدة الثمن، داخل الدول المستهلكة، ودون الحاجة لتهريبها عبر الدول والحدود. كما أن هذه المخدرات لا تحتاج إلى نفس الدورة التي تمر بها المخدرات النباتية الطبيعية الأخرى، من زراعة، وحصاد، وتصفية، ونقل، ثم تهريب، هذا بالإضافة إلى الإقبال الأكبر من قبل المدمنين على المخدرات الاصطناعية بسبب رخص ثمنها، وتأثيرها المنشط القوي. ويؤدي استهلاك المواد المخدرة، الطبيعية والاصطناعية، إلى عواقب صحية وخيمة. أولى تلك العواقب هو الوقوع ضحية للإدمان، والذي يعرف على أنه قوة نفسية، تكره صاحبها وتقسره على تكرار فعل ما، بغض النظر عن النتائج، والتي غالباً ما تكون سلبية. ويمكن للكثير من العقاقير والمخدرات -وحتى الأطعمة أو الأنماط السلوكية- أن تدفع بالشخص في اتجاه إدمان المزيد والمزيد منها. هذا الاحتياج النفسي القسري، يتميز دائماً بخاصيتين، هما: التحمل الفسيولوجي، والإصابة بأعراض التوقف عن الإدمان. خاصية التحمل الفسيولوجي تنتج عن زيادة مقاومة الجسم لتأثير العقار بسبب تكرار التعرض له، مما يتطلب تعاطي جرعات أكبر وأكبر للحصول على نفس التأثير الأولي. أما أعراض التوقف، فتختلف من شخص إلى آخر، وتعتمد إلى حد كبير على نوع المادة أو سلوك المدمن. وإن كانت هذه الأعراض دائماً ما تشتمل على القلق والتوتر، وأوجاع الرأس والتعرق والتقيؤ مع الرغبة الشديدة في تعاطي المزيد رغم إدراك ضرره، وتكرار نفس السلوك، رغم منافاته للمنطق العقلاني. وتمتد التأثيرات النفسية للمخدرات لتشمل طائفة واسعة من الأعراض والعلامات والمضاعفات، مثل الهذيان، والهوس، وتعثر النطق، والمشي المترنح، وعدم القدرة على تحديد الزمن، أو تقدير المسافات، وغيرهما الكثير، لدرجة أنه من الصعب استثناء أيٍّ من أعراض وعلامات الاضطرابات النفسية والعصبية، كونها لا تظهر على مدمني المخدرات. وتمتد تأثيرات المخدرات لتشمل المضاعفات البدنية، والتي كثيراً ما تكون خطيرة، مثل الوفاة بسبب فرط الجرعة، أو العدوى بأمراض خطيرة، مثل فيروس نقص المناعة أو الأيدز، وفيروسات التهاب الكبد، بسبب تداول الحقن الملوثة بين المدمنين. ولذا كثيراً ما ينتهي طريق النشوة واللذة التي يسعى مدمنو المخدرات للسير في دربه، بنهاية مؤسفة ومحزنة، والوفاة المبكرة في الكثير من الأحيان، ليضيفوا بذلك مفارقة أخرى إلى مفارقات عالم المخدرات.