يبدو "رايان كروكر" بعيداً جداً عن واشنطن، علماً بأن هذا البعد لا يرجع لأنه يتحدث عبر خط هاتفي ضعيف وغير مستقر من كابول فحسب، وإنما لأشياء أخرى. وسفير الولايات المتحدة الحالي في أفغانستان، واحد من أعظم أبطال عهد ما بعد الحادي عشر من سبتمبر حيث خدم ما يزيد عن نصف مدة العشر سنوات الماضية - التي انقضت منذ وقوع هجمات ذلك اليوم - في أفغانستان والعراق وباكستان. وقد ساهم هو والجنرال بترايوس في إنقاذ الولايات المتحدة من كارثة في العراق منذ أربعة أعوام، ويحاول الآن أن يكرر ذلك العمل البطولي في كابل. وهو يجد نفسه يكرر نفس العبارات مثل" إن الوضع سيبقى صعباً كما هو، ولكنه ليس ميئوساً منه مع ذلك" كانت تلك هي العبارة التي قالها لي منذ أسبوع، وهي تقريباً نفس العبارة التي أتذكر أني سمعتها منه في مناسبات سابقة. كما قال لي أيضاً"إن مفتاح الأمر يكمن فيما نطلق عليه- الصبر الاستراتيجي - وهو شيء صعب علينا نحن معشر الأميركيين، ولكننا نحتاجه هنا في أفغانستان كما احتجناه في العراق من قبل وكما نحتاجه بالتأكيد في باكستان". السؤال هنا؟ هل هناك من لا يزال يستمع لمثل هذه الأقوال. في الفترة التي سبقت اقتراب ذكرى الحادي عشر من سبتمبر في واشنطن، كان "الجمهوريون" و"الديمقراطيون" يتحدثون عن الحرب التي تشنها الولايات المتحدة على "القاعدة" و"طالبان"، وكأنها مشروع بحاجة إلى الإغلاق السريع، إن لم يكن كحماقة كبرى من جانب الولايات المتحدة. في مؤتمر الحوار الرئاسي للحزب "الجمهوري" الذي عقد الأسبوع الماضي قال "جون هانتسمان" مردداً أصداء كلمات قالها أوباما في شهر يونيو الماضي عندما أعلن أن القوات الأميركية في أفغانستان ستنسحب بوتيرة أسرع من الوتيرة التي أوصى بها الجنرال بترايوس:" بعد عشر سنوات على الحادي عشر من سبتمبر، وعندما ننظر إلى الوضع في أفعانستان، ونرى أننا ما زلنا نحتفظ هناك بما لا يقل عن 100 ألف جندي، فإننا لا بد أن ندرك كون المسألة لا تتعلق ببناء أمم في أفغانستان، بل ببناء أمم هنا في الوطن". ويصل "كروكر" إلى لب الموضوع بقوله"أعرف أن الأميركيين مرهقون من الحرب. وأنا نفسي أشعر بالإرهاق لحد ما". في سنوات خدمته الطويلة تعرض "كروكر" لنيران الصواريخ، كما تعرض للشوي على النار، من قبل لجان الكونجرس في جلسات مذاعة على الهواء على التلفزة الوطنية، كما دخل في مفاوضات مرهقة وشائكة ولانهاية لها مع شخصيات عصبية، لا يمكن التنبؤ بتصرفاتها مثل نوري المالكي، وحامد قرضاي. و"كروكر" يبلغ من العمر 62 عاماً، وقد حاول أن يتقاعد من قبل بعد العراق، ولكن تم إغراؤه مرة أخرى بالعودة للخدمة من قبل أوباما وبترايوس، بعد أن تدهورت علاقات الولايات المتحدة مع قرضاي ووصلت إلى نقطة الانكسار. لدى "كروكر" نقطتان بسيطتان يريد التأكيد عليهما: (إن الرغبة في إنهاء الحرب ضد "القاعدة" لا يعني بحال أن تلك الحرب يمكن إنهاؤها قريباً. ويوضح هو هذه النقطة بقوله" لا يزال هناك الكثير من الشخصيات القذرة المصممة على ارتكاب الأعمال الوحشية ضمن تنظيم "القاعدة”). ويضيف: " إنني لا اعتقد كما يعتقد البعض أن القاعدة قد خرجت من الساحة لمجرد أنها فقدت بن لادن. إن الأمر ليس كذلك بأي حال من الأحوال". الحقيقة الثانية القاسية التي يريد "كروكر" التأكيد عليها هي أن مستقبل القاعدة مرتبط ارتباطاً وثيقاً لا فكاك منه بمستقبل أفغانستان وطالبان. يوضح هذه النقطة بقوله:"القاعدة ليست موجودة في أفغانستان لأننا موجودون هناك. الأمر ليس كذلك. وإذا ما قررنا على سبيل المثال مغادرة أفغانستان دون أن تكون حكومتها وجيشها مستعدة للاضطلاع بمسؤولية الحكم والأمن، فإن ذلك يمكن أن يؤدي إلى طلبنة البلاد وإعادة الأحوال فيها إلى تلك التي كانت موجودة قبل الحادي عشر من سبتمبر، أي أننا في هذه الحالة سوف نساعد على إعادة تخليق القاعدة وعودتها إلى مشروع الجهاد العالمي". ويضيف "كروكر" لذلك يجب أن ندبر الأمر على النحو الصحيح. هل نستطيع ذلك؟" على الرغم من المزاج السائد في واشنطن، فإن "كروكر" يعتقد أننا قادرون على ذلك، وأن الأوضاع في كابول هذا الصيف كما يقول كانت أفضل كثيراً مما كانت عليه عام 2002 عندما تدخلت الولايات المتحدة وساعدت على إقامة حكومة ما بعد "طالبان”. علاوة على ذلك يرى "كروكر" أن الإرهاق قد نال من "طالبان" أيضاً، وأنهم على استعداد لوضع أسلحتهم جانباً إذا تم طمأنتهم بأنهم سيعاد إدماجهم بشكل كامل في المجتمع. ولكنه يشك مع ذلك أن تكون جماعات "طالبان" التي يوجد قادتها في باكستان ستكون مستعدة للدخول في مفاوضات جادة مع حكومة قرضاي أو مع الولايات المتحدة عما قريب. وهو يرى أن القوة المقاتلة للعدو يمكن تقليصها بدرجة كبير. فالجيش الأفغاني على الرغم من حالات الهروب المتعددة لا يزال ينمو وهو ما يضع أمامنا أكبر تحد ممكن وهو بناء مؤسسات أفغانية عاملة عندما يحين موعد انتهاء ولاية حامد قرضاي، وتنتهي مهمة الناتو ـ الولايات المتحدة عام 2014. هـذا تحديداً هو ما دفع "كروكر" للذهاب إلى أفغانستان بالإضافة بالطبع للاشتغال على مسألة توقيع شراكة استراتيجية بين أفغانستان والولايات المتحدة فيما بعد عام 2014. صحيح أنه تحد شاق ولكن عندما يقول ذلك البطل الواعي للدبلوماسية الأميركية إنه من الممكن تحقيقه، وأنه يجب أن يتم تحقيقه، فإنه يبدو عندما يقول ذلك أكثر مصداقية بكثير من جون هانتسمان، وباراك أوباما معاً. جاكسون ديل كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة"واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس"