مهما قيل من أسباب فإني أعتقد أن السبب الجوهري لقيام جموع المتظاهرين المصريين بتسلق العمارة التي تقطن بأعلاها السفارة الإسرائيلية من الخارج واقتحام المبنى وإنزال العلم فجر السبت الماضي، ما زال كما هو وهو رفض حكومة إسرائيل تحمل مسؤوليتها عن جريمة قتل خمسة من الجنود المصريين داخل سيناء منذ أسبوعين. لقد طالبت الحكومة المصرية نظيرتها الإسرائيلية بتقديم اعتذار رسمي عن قتل الجنود فاكتفت إسرائيل بالتعبير عن الأسف. وشتان ما بين الاعتذار الرسمي الذي يعني الإقرار بالمسؤولية والاستعداد لتحمل التبعات القانونية وتعويض الضحايا وبين التعبير الصوري عن الأسف. لذلك فإني أنظر إلى التطورات الساخنة التي استدعت تدخل الرئيس الأميركي أوباما لإنقاذ ستة من عناصر الأمن الإسرائيلي كانوا محتجزين في المبنى أثناء اقتحامه، في إطار محدد المعالم على النحو التالي: أولاً إن قتل الجنود المصريين فعل ينطوي على عدوان وعلى انتهاك إسرائيل للقانون الدولي ولالتزاماتها القانونية بموجب معاهدة السلام مع مصر. وبالتالي فإن رفضها الاعتذار والتعلل بإجراء تحقيق والتسويف في إعلان النتائج إنما هو سوء نية متعمد. ثانياً: إن تقديري لأسباب غضب الشبان المصريين وتفجر انفعالاتهم أثناء قيامهم بهدم سور أقامته محافظة الجيزة لحجب الرؤية عن مبنى السفارة هو تقدير كامل، ومع ذلك أعتقد أنهم كانوا في حاجة لمن يبصرهم بأن اقتحام المبنى ينطوي على النيل من هيبة الدولة المصرية أمام العالم نظراً لما يعنيه من عدم قيامها بواجبها في حماية مقار البعثات الديبلوماسية الأجنبية. ثالثاً: إن البيان الذي ألقاه نتنياهو وعبر فيه عن الشكر لأوباما ولقوات الكوماندوز المصريين الذين قاموا بعمليات إنقاذ لرجال الأمن الإسرائيليين المحتجزين في السفارة، قد خلا من أي إشارة إلى السبب الجوهري ولم يتضمن كلمة واحدة تعني رفع الحرج عن الحكومة المصرية أمام شعبها بشأن قتل الجنود وإعلان نتائج التحقيق. رابعاً: إن صلف حكومة نتنياهو هو الذي دفعها إلى تحدي مشاعر الشعب المصري بإعادة السفير من إجازته في تل آبيب رغم مطالبة الحكومة المصرية لنتنياهو بصورة ودية بإبقاء سفيره في إجازة طويلة بتل آبيب تحاشياً لتفجر غضب الجماهير المطالبة بطرده. خامساً: إن اهتمام نتنياهو بالتعبير عن أهمية السلام مع مصر بالنسبة لإسرائيل ورغبته في الحفاظ على المعاهدة، أمر يظل منقوص المعنى والوظيفة السياسية ما لم يقم على الفور بإعلان نتائج التحقيق في جريمة قتل الجنود المصريين وتحمل النتائج. لقد عرضت قنوات التلفزيون الإسرائيلي صوراً للراحل الملك حسين ملك الأردن وهو يقدم الاعتذار والترضية الشخصية لأسر بعض القتلى الإسرائيليين الذين أصابهم رصاص جندي أردني في التسعينيات أثناء فترة حكم نتنياهو الأولى. لقد ظهر نتنياهو في صحبة الملك العربي آنذاك، فهل يتعلم نتنياهو من الملك أن الاعتذار فضيلة، أم يبقى على عجرفته المعتادة إلى أن تتفجر الأمور من جديد. د. إبراهيم البحراوي أستاذ الدراسات العبرية - جامعة عين شمس