تستضيف مدينة أبوظبي في بداية شهر أكتوبر القادم فعاليات مؤتمر "الانتحار: مأساة إنسانية"، الذي سيتزامن مع إطلاق حملة منع الانتحار، وسيتضمن عرض الإحصائيات الدولية عن معدلات الانتحار، والجهود المبذولة للحد منه. ويأتي الإعلان عن هذا المؤتمر بعد ثلاثة أيام فقط من تناقل وسائل الإعلام المحلية لخبر إقدام أسرة آسيوية على الانتحار، حيث أقدم الأب البالغ من العمر 44 عاماً على شنق نفسه بسقف صالة المنزل، بالإضافة إلى انتحار زوجته البالغة من العمر 31 عاماً في سقف إحدى الغرف، وعثرت الشرطة أيضاً على جثة طفلتهم البالغة من العمر ثمانية أعوام معلقة بسقف غرفة أخرى، بعد أن غطي وجهها بقطعة قماش، حيث يعتقد أن الأبوين كانا قد قاما بشنق طفلتهما قبل إقدامهما على الانتحار. وأثبتت التحريات أن رب الأسرة كان يمر بضائقة مالية، أجبرته على إنهاء حياته هو وأسرته.?? وقبل أن يمر أسبوع على هذا الخبر المؤسف، أقدم شخص من الجنسية النيبالية، يبلغ من العمر 35 عاماً، على الانتحار شنقاً، وذلك في موقع عمله في أحد المصانع بأم القيوين. وشكل هذا الحادث، حالة الانتحار الخامسة التي شهدتها أم القيوين خلال العام الحالي، بينها حالتان لمواطنين قاما بشنق نفسيهما في مناطق مختلفة من الإمارة، والحالة الثالثة لشخص من الجنسية النيبالية، والرابعة لبنغالي، حسب ما تناقلته وسائل الإعلام المحلية. ?وقد تزامنت هذه الأخبار مع اليوم العالمي لمنع الانتحار (World Suicide Prevention Day)، الذي يحل كل عام في العاشر من شهر سبتمبر، ويهدف إلى التأكيد على إلقاء الضوء على مشكلة الانتحار من المنظور الدولي، وإعادة تأكيد الالتزام العالمي من قبل الجهات الصحية والحكومية والخيرية، على اتخاذ جميع السبل والإجراءات المتاحة لوقف إقدام كثيرين على قتل أنفسهم. ويقسم الانتحار إلى أشكال وأنواع رئيسية، حسب الصفات المميزة أو الأحداث المحيطة وقت وقوعه. النوع الأول هو انتحار المراهقين (Teenage Suicide)، ويحدث بين من هم في سنوات المراهقة، نتيجة المشكلات النفسية التي تترافق مع هذه المرحلة العمرية. أما النوع الثاني، أو الانتحار الطبي أو القتل الرحيم (Euthanasia)، فيقتل الشخص فيه نفسه بنفسه، أو بمساعدة آخرين، بدافع الرغبة في إنهاء الآلام والمعاناة الناتجة عن مرض مزمن أو داء عضال. وأما النوع الثالث من الانتحار فيكون مسبوقاً بقتل الآخرين (Murder-suicide)، مثل قيام المنتحر بقتل أطفاله وزوجته، قبل شروعه في قتل نفسه. وفي النوع الرابع، أو الانتحار التفجيري (Suicide bombing)، يتم استخدام حزام ناسف أو سيارة مفخخة، لقتل الآخرين والموت في نفس الوقت لأسباب سياسية أو عسكرية أو مذهبية أو طائفية. أما النوع الخامس من الانتحار فهو ما يمكن أن نطلق عليه الانتحار العقائدي أو الشعائري (Ritual suicide)، ويحدث نتيجة معتقدات دينية شاذة أو بسبب طقوس عقائدية ملتوية. والنوع السادس من الانتحار هو الانتحار الجماعي (Mass Suicide)، وفي هذا النوع يقوم عدد كبير من الأشخاص بقتل أنفسهم، إما لأسباب عقائدية مذهبية، أو لاعتقادهم بتعرضهم للاضطهاد والمضايقات بسبب ديانتهم. أما النوع السابع من الانتحار، أو الانتحار المقلد أو المحاكي (Copycat suicide)، فتشتق تسميته من كونه تقليداً ومحاكاة لعملية انتحار تمت سابقاً من قبل شخص آخر. ومثل هذا النوع يحدث عند انتحار أحد الممثلين أو المغنين، حيث يقوم معجبوه بتقليده، وقتل أنفسهم بنفس الطريقة. ويشكل الانتحار بأشكاله المختلفة أحد أكبر أسباب الوفيات الممكن تجنبها بناء على إحصائيات منظمة الصحة العالمية التي تشير إلى أن أكثر من ثلاثة آلاف شخص يقتلون أنفسهم يوميّاً، وهو ما يعني أن أكثر من مليون شخص يلقون حتفهم منتحرين سنويّاً. وبالنظر إلى حقيقة أن من بين كل عشرين محاولة انتحار، تنجح واحدة منها فقط، يمكننا أن نقدر وقوع أكثر من عشرين مليون محاولة انتحار سنويّاً، تفشل تسعة عشر مليون حالة منها، وتنجح مليون حالة بالفعل. ووضعاً في الاعتبار أن الطب في أساسه هو محاولة الحفاظ على حياة الأفراد، من خلال وقايتهم وعلاجهم من الأمراض وأسباب الوفيات، وخصوصاً المبكر منها، فقد أصبح الانتحار إحدى أكبر المشاكل الصحية التي يعنى بها أفراد المجتمع الطبي حاليّاً، وخصوصاً أن هذه المشكلة تنتج أساساً في الحقيقة من اختلالات طبية أولية، مثل إدمان المخدرات، أو الكحوليات، أو الاضطرابات العقلية والنفسية. ?ويعتبر الاكتئاب الشديد من أهم الأسباب المؤدية للانتحار، وخصوصاً في ظل حقيقة انتشار هذه الحالة النفسية بقدر كبير، حيث تشير التقديرات الدولية إلى أن 16 في المئة من البشر يصابون في فترة من فترات حياتهم بالاكتئاب المرضي. ففي الولايات المتحدة مثلًا، نجد أن الاكتئاب يصيب 6.5 في المئة من النساء الأميركيات، أما في كندا، فيعاني 5 في المئة من السكان من الاكتئاب المرضي، وفي بريطانيا يصاب شخص واحد من بين كل خمسة أشخاص بالاكتئاب المرضي في مرحلة ما من حياته. وإذا ما استخدمنا الأرقام السابقة للاستدلال على مدى انتشار الاكتئاب الإكلينيكي في الدول الأخرى، يمكننا الاستنتاج بأن هذا المرض يصيب عشرات الملايين وربما مئات الملايين حول العالم، ليؤثر سلباً على صحتهم العامة، ويدفع كثيرين منهم لقتل أنفسهم.