لا شك أن استجابة الولايات المتحدة لـ11 سبتمبر ساهمت في توعكها الاقتصادي الحالي. والقرار الذي أدى لتعرض الولايات لأضخم خسائر اقتصادية لم يكن غزو أفغانستان وبعدها العراق، لكنه كان القرار الخاص بتحديد الطريقة التي سيتم بها دفع تكاليف الحربين، ودفع أكلاف الزيادات في الميزانية الدفاعية، وميزانية الأمن الداخلي. ومعروف أن أكلاف الحروب لا تنتهي بالطلقة الأخيرة في الحرب، وإنما تستمر بعدها لفترة طويلة، وهو ما ينطبق على حربي الولايات المتحدة في ذينك البلدين. والتكلفة الباهظة لذينك الحربين والتي بلغت 1.6 تريليون دولار، مُولت بالكامل عن طريق الاقتراض، ولو أضفنا إلى ذلك 800 مليار دولار نفقات دفاعية زائدة لا ترتبط بالحرب مباشرة، وعدة مليارات أخرى لتغطية نفقات الاستعدادات والإجراءات التي طبقتها وزارة الأمن الداخلي، لوجدنا أن إجمالي الدين يمثل ما يزيد عن ربع الزيادة في الديون الأميركية منذ عام 2001 وحتى الآن. وتمويل نفقات الحرب والنفقات الدفاعية عبر الاقتراض، كان يمثل استثناءً في التاريخ الأميركي، حيث اعتاد الأميركيون تمويل حروبهم عبر زيادة الضرائب. وإذا ما أردنا العثور على نموذج لتمويل الحروب عن طريق الاستدانة، فسنعود إلى أيام الثورة الأميركية عندما كانت المستعمرات تستدين من فرنسا لدفع أكلاف القتال. والشيء الذي كان لافتاً للنظر بالنسبة لإدارة بوش أنه رغم تقصيرها عن جمع الإيرادات الكافية لتغطية نفقات الحرب، قامت بتخفيض الضرائب عندما شنت العملية الأفغانية، ثم فعلت ذلك بعد غزو العراق. وعلى حد تعبير "روبرت هورمارتس" في كتابه "ثمن الحرية" فإن الأمة الأميركية "تعيش في عالم ما بعد الحادي عشر من سبتمبر بسياسة مالية تنتمي إلى ما قبل ذلك التاريخ". ستظل أكلاف حربي العراق وأفغانستان باهظة حتى إذا ما تم سحب القوات الأميركية من هناك: فمعدلات الخسائر الأعلى، ونفقات علاج المصابين الأعلى، والمنافع الأكثر سخاءً للمحاربين القدامي، تعني في مجملها أن الأمة الأميركية تدين بالفعل بمبلغ يتراوح بين 600 و900 مليار دولار لتوفير الرعاية الصحية الطويلة الأمد، ودفع تعويضات للعجز والعاهات المستديمة للجنود، وهو مبلغ يزداد يومياً. وبالإضافة لذلك هناك أكلاف باهظة ستحتاجها الولايات المتحدة لاستبدال أسلحتها ومعداتها العسكرية بمعدلات تزيد من 6 إلى 10 مرات عن معدلات استهلاكها في أوقات السلم. يعني هذا أن الحرب على الإرهاب، والطريقة التي اخترنا لدفع أكلافها، ساهمت في مشكلة الدين التي تعتبر محور الحوار السياسي في الولايات المتحدة حالياً. ليس هذا فحسب بل إن تلك التكلفة قد أضرت بالاقتصاد عامة. فرغم أن الحربين لم تتسببا في الأزمة المالية الراهنة، إلا أنهما مثلتا عاملاً مؤثراً في خلق الظروف التي قادت إليها. ولفهم تلك العلاقة علينا أن نصل النقاط ببعضها كالآتي: أولاً، إن حرب العراق وما أدت إليه من اضطراب في المنطقة قد شكلت ضغطاً على أسعار النفط دفعها للارتفاع من 25 دولاراً للبرميل عام 2003 إلى 140 دولاراً بعد ذلك التاريخ بأربع سنوات. ثانياً، إن ذلك الارتفاع في أسعار النفط أدى إلى ركود الاقتصاد الأميركي، وهو ما كان يعني ضخ المزيد من السيولة في الأسواق حيث نشأت فقاعة الدين العقاري، والانهيار المالي الذي تلا ذلك. نحن بحاجة إلى تعلم تلك الدروس ونحن نفكر في مسارنا المستقبلي في أفغانستان. ورغم أن بعض القوات الأميركية سوف يغادر بنهاية هذا العام، فهناك خطط لإبقاء عشرات الآلاف من عسكريينا ومقاولينا حتى نهاية 2014. ومن المتوقع أن يكلفنا ذلك 300 مليون دولار إضافية، وربما أكثر. إن السياسات التي اتبعناها بعد 11 سبتمبر، بما في ذلك شن حربين بقوة صغيرة مكونة من متطوعين، والاعتماد على المقاولين الخصوصين في توفير الأعداد الإضافية التي نحتاجها، ودفع تكلفة الحملة بأكملها عبر الاستدانة، هي سياسات لا تزال أصداؤها تتردد عبر المجتمع الأميركي. وبينما نستغني عن رجال الشرطة ومعلمي المدارس، لعدم وجود مخصصات مالية كافية، نجد أنفسنا بحاجة للانخراط في حوار مفتوح حول ما إذا كانت هذه الأموال الباهظة ستساعد على تعزيز الاستقرار والأمن اللذين نتطلع لتحقيقهما! وهل نحن قادرون على تحقيق نفس الأهداف بتكلفة أقل، أم أن الحال سوف ينتهي بنا إلى أن نصبح مجرد قوى أخرى من بين قائمة طويلة من القوى التي حاولت فرض الهدوء والاستقرار على أفغانستان المضطربة وفشلت في ذلك؟ ليندا جيه.بيلمس محاضرة رئيسية للسياسات العامة بمدرسة كنيدي -جامعة هارفارد ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"