في الوقت الذي تتذكر فيه الولايات المتحدة ما حدث في الحادي عشر من سبتمبر، ما تزال حرب العراق تشغل أذهان الأميركيين وتسبب لهم القلق في معظم الأحوال. فتلك الحرب نـُظر إليها دوماً على أنها حرب لم يكن هناك من داع حقيقي لها، وأنها صرفت أنظار الأميركيين عن الحرب الأهم التي يخوضونها في أفغانستان، بل وذهب البعض إلى حد اعتبارها حرباً فاشلة، بل و"أسوأ كارثة استراتيجية تواجهها أميركا في تاريخها" على حد تعبير الجنرال المتقاعد "ويليام أودوم" مدير وكالة الأمن القومي السابق. ليس هناك شك أن العراق بحلته الراهنة، لم يتمكن من تحقيق ما كان يصبو إليه العراقيون، وما كان يتوقعه الأميركيون، كما أنه ليس هناك شك كذلك أن أكلاف الحرب على الجانبين - العراقي والأميركي - كانت باهظة وأكثر كثيراً مما كان متوقعاً في بداية الأمر. على الرغم من ذلك لا يستطيع أحد أن يدعي سوى بالكاد، أن بعض الإنجازات التي تحققت، مثل تشكيل وزارة ممثلة لمختلف الأطياف - على الرغم من كافة التحديات - هي إنجازات محدودة، لأنها لم تكن كذلك بكافة المقاييس. فلولا ذلك الإنجاز لظل العراق عالقاً في جحيم حرب أهلية تهز استقرار المنطقة بأسرها. ويمكن القول إنه عن طريق تقديم مقادير محدودة نسبياً من الدعم الأميركي المستمر للعراق، يمكن لأعظم المنافع الاستراتيجية لغزو العراق أن تتجسد خلال عدة سنوات(قادمة). وهذه المنافع في حد ذاتها تبرر استمرار الوجود الأميركي في ذلك البلد. والعراق بدأ تواً يبرز مدى أهميته الاستراتيجية بالنسبة لأميركا بطرق ثلاث يمكن بيانها على النحو التالي: الأولى، من خلال المساهمة في إبراز إمكانية إنجاز التحول من الديكتاتوريات إلى حكومات خاضعة للمساءلة في المنطقة على المدى الطويل. ويمكن القول إن المصريين والتونسيين والليبيين -وربما السوريين واليمنيين عما قريب -يمتلكون ميزة لم يمتلكها العراقيون عندما أنجزوا مثل هذا التحول، وهي أنهم لم يكونوا مضطرين للاستعانة بغزو أجنبي خارجي لإنجاز مهمة التخلص من الديكتاتور. ولكن الشيء المؤكد مع ذلك هو أنهم سوف يواجهون نفس نمط المشكلات التي واجهها العراقيون، والتي نجحوا في التغلب على عدد لا بأس منها، بدرجة أو بأخرى، خلال السنوات الثماني الماضية. الثانية، إن العراق، للمفارقة، بات واحداً من الدول العربية الأكثر تأهيلًا للحفاظ على علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة والغرب على وجه العموم وهو شيء ليس بالقليل بحال في منطقة مضطربة مثل الشرق الأوسط تلاشى فيها بعض من أهم حلفاء أميركا بين عشية وضحاها. الثالثة والأكثر أهمية على الإطلاق وهي الدور الخطير الذي يمكن للعراق أن يلعبه في تجنب الوقوع في أزمة كبيرة للطاقة خلال السنوات القادمة التي يتوقع أن يزداد فيها الطلب العالمي، والتي يحتمل أن تقع فيها تطورات سياسية مهمة في بعض الدول المنتجة للنفط أو تحدث فيها مواجهة مع إيران. ويشار في هذا السياق إلى أن شركات النفط الكبرى والمؤسسات المهتمة بدراسة تطوراته تتوقع أن يتمكن العراق خلال السنوات القادمة من زيادة كميات النفط المنتجة من حقوله وبيعها بأسعار معقولة. وأقل هذه التقديرات تتوقع أن يتمكن العراق من مضاعفة إنتاجه من الكمية الحالية وهي 2.5 مليون برميل يومياً إلى 4.8 مليون برميل في اليوم خلال العقد القادم. كل هذه التطورات المهمة والإمكانيات التي ينطوي عليها العراق تبرر استمرار التواجد الأميركي في هذا البلد، في الوقت نفسه تقريباً الذي يرغب فيه معظم الأميركيين في ترك العراق لمصيره، فإما أن يتمكن من البقاء طافياً أو يغرق. واستمرار هذا الوجود لن يكون باهظ الثمن كما يخشى معظم الأميركيين: فالعراق لم يعد يحتاج تلك المقادير الضخمة من الدعم المالي والسياسي والعسكري التي كانت الولايات المتحدة تقدمها له خلال السنوات الثماني الماضية. في الوقت نفسه يمكن للعراق الذي لا يزال دولة هشة ذات مؤسسات ضعيفة، تحقيق استفادة كبرى من استمرار الاستثمار الأميركي -بكميات محدودة نسبياً- في مجالي الموارد والوقت. التقارير الإخبارية الأخيرة تشير إلى أن أوباما قرر أن يقتصر الوجود العسكري الأميركي في العراق على3000 جندي فقط(على الرغم من حقيقة أن الاتفاقية الأمنية الموقعة بين البلدين تنص على عمل ترتيبات قانونية تسمح ببقاء عدد يمكن أن يصل إلى 10 آلاف جندي أميركي في العراق للاضطلاع بشؤون تدريب قوات الأمن العراقية والتعامل مع التحديات التي لا تستطيع تلك القوات التعامل معها). في الحقيقة أن ذلك شيء يدعو للإحباط على عدد من المستويات للأسباب التالية: أولاً عدد القوات يجب أن يتحدد بناء على مفاوضات مع العراقيين وفقاً لطبيعة المهمة التي ستضطلع بها تلك القوات. ثانياً، ليس من الواضح ما هو الشيء الذي يمكن لقوة صغيرة مثل هذه أن تنجزه أو تقوم به غير أن تتكفل بحماية نفسها فحسب. ثالثاً، أنه يطرح التساؤل الخاص بما إذا كانت إدارة أوباما تدرك حقاً الفرص المتاحة لها، والحتميات التي يجب أن تعمل بموجبها في العراق. ميجان أوسوليفان أستاذة الشؤون الدولية بجامعة هارفارد، نائبة مستشار جورج بوش للأمن القومي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس"