الرقم التركي في معادلة الربيع السوري... وذكرى 11 سبتمبر في ظلال الربيع العربي جديد فضائح قيادات الحزب الاشتراكي الفرنسي، والتأثير التركي المؤثر في رهانات الربيع السوري، ومرور الذكرى العاشرة لهجمات 11 سبتمبر، موضوعات ثلاثة استقطبت اهتمام كتاب افتتاحيات وأعمدة رأي الصحف الفرنسية. مأزق الحزب الاشتراكي في صحيفة لوفيغارو انتقد الكاتب اليميني "إيف تريَّار" ما سماه ازدواجية معايير الحزب الاشتراكي في تعامله مع الفضائح المتكاثفة لبعض قياداته السياسية، مؤكداً أن الحزب، الذي يعدُّ أكبر أحزاب المعارضة الفرنسية، لم يعدْ يخرج من مأزق إلا ليدخل آخر، فما أن انتهت دراما محنة رجله القوي المدير السابق لصندوق النقد الدولي "دومينيك ستروس كان" مع القضاء الأميركي -على خلفية اتهامه بالاعتداء الجنسي على عاملة فندق "سوفيتل"- حتى انفجرت هذا الأسبوع أيضاً قضية أخرى حين بدأت يوم الخميس الماضي أطوار الملاحقة القضائية في مدينة مارسيليا للقيادي البارز في الحزب "جان -نويل جيريني" وهو من أبرز زعامات الحزب الإقليمية في جنوب فرنسا، وذلك على خلفية اتهامه في قضايا فساد وإساءة استغلال للسلطة، وحتى الضلوع -مع شقيقه- في تشكيل "عصبة أشرار". وأمام هول الصدمة سارعت قيادة "الاشتراكي" إلى النأي بنفسها عن القيادي المتهم، وطلب منه أمين عام الحزب بالإنابة "هارليم ديزير" الاستقالة فوراً من جميع مناصبه الحزبية، دون أي مراعاة لمبدأ أن المتهم يبقى بريئاً ما لم تثبت إدانته. والغريب، يقول الكاتب، إن الحزب لم يتخذ إجراءً من هذا القبيل ضد "كان" طيلة أربعة أشهر قضاها في أميركا، معظمها مر في سياق محنته، بل لقد استفاد طيلة تلك الفترة من صفة "تحت المراقبة الحزبية" ولم يُفصل من الحزب أو يُفك الارتباط معه دون أدنى تحفظ كما وقع لـ"جيريني" الآن. ويرى الكاتب أن ازدواجية المعايير هذه من شأنها أن تلحق ضرراً بالغاً بفرص الأمينة العامة للحزب "مارتين أوبيري" التي يعتبر الأمين العام بالوكالة "ديزير" مجرد بيدق من بيادق حملتها التمهيدية للرئاسيات، وسيكون ذلك الضرر مؤثراً بالنظر إلى حجم وزخم منطقة "بوش- دي-رون" الانتخابية الكبيرة التي يتمتع فيها "جيريني" بشعبية كبيرة كثيراً ما عوّل عليها "الاشتراكي" في الاستحقاقات الانتخابية الحاسمة. وفي سياق متصل اعتبر الكاتب "إيفان ريوفول" في عنوان عموده بصحيفة لوفيغارو أيضاً أن "الاشتراكية تخسر فيما الحزب الاشتراكي قد يفوز"، مشيراً إلى أن استطلاعات الرأي العام الأخيرة تشير بقوة إلى فوز محتمل لمرشح الحزب الاشتراكي خلال رئاسيات مايو من العام المقبل، ولكن مع ذلك تتجه الإيديولوجيا التي يدافع عنها هذا الحزب إلى مزيد من الانحسار بحكم التحديات الهائلة التي تواجه فرنسا وأوروبا اليوم في سياق تداعيات الأزمة المالية العالمية، التي لا تشجع الاشتراكيين على التمسك بتلك الإيديولوجيا القائمة على الحمائية ودولة الرعاية. وستكون المفارقة في تلك الرئاسيات أن يوصل الناخبون مرشحاً اشتراكيّاً إلى قصر الأليزيه، رغبة في التناوب السياسي، في حين أن صعوبة وتعقيد الظروف الاقتصادية سيحملان ذلك المرشح الفائز المحتمل إلى التخلي، منذ اليوم الأول، عن معظم قناعاته الاشتراكية غير الواقعية. استعصاء الربيع السوري صحيفة لوموند نشرت تحليلاً سياسيّاً للكاتب "آلان فراشون" تحت عنوان "سوريا تثير الشقاق في الشرق الأوسط"، قال فيه إن عدد حلفاء الرئيس السوري في فضائه الإقليمي قد تناقص بشكل متواتر، وإن كان يلزم الاعتراف أيضاً بأن عددهم لم يكن أصلاً كبيراً، وهذا لا يعد مؤشراً حسناً بالنسبة لأي ديكتاتور. فبعد خمسة أشهر متواصلة من الانتفاضة الشعبية المعارضة، والقمع المستمر لهذه الانتفاضة، يجد نظام دمشق نفسه في حالة عزلة متنامية، كما أن خرائط التحالفات الإقليمية التي تكتنفه دخلت هي الأخرى في حالة إعادة ترتيب جديدة. وبحكم انتماء الزعيم السوري إلى أقلية مذهبية في العالم العربي، فقد كان يعوِّل على حليفين إقليميين غير عربيين: تركيا وإيران. ولكن هذا المحور الذي كان قائماً بين دمشق وأنقرة وطهران، انهار الآن، حيث فقد الأسد حليفه التركي منذ بداية "الربيع العربي"، حين قرر الإسلاميون- المحافظون في حزب "العدالة والتنمية" التركي الحاكم اختيار الوقوف إلى صف معارضي النظم الشمولية. ولذا وقفوا مناصرين دون تحفظ لانتفاضات الشارع في القاهرة وتونس وطرابلس، متخلين بسرعة عن نظم كانوا، حتى ذلك الوقت، يقيمون معها علاقات قوية، وخاصة في المجال الاقتصادي. وفي المجمل، يقول الكاتب، فإن نجاح النموذج الديمقراطي التركي بقيادة حزب أردوغان، يستطيع تقديم نفسه لشعوب المنطقة الشرق أوسطية وقواها السياسية، كمثل في الإصلاح السياسي، وكدليل على عدم تعارض الإسلام والديمقراطية. ولذا فإن بعض العرب أصبحوا اليوم ينظرون إلى تركيا على أنها النموذج الأقرب للحداثة، كما ارتفعت شعبية "السلطان أردوغان" في كثير من دول المنطقة التي امتدت إلى أجزاء واسعة منها ذات يوم الإمبراطورية العثمانية. 11 سبتمبر والربيع العربي صحيفة لوفيغارو نشرت، أول من أمس، افتتاحية بعنوان: "من 11 سبتمبر إلى الربيع العربي"، قالت فيها إن الذكرى العاشرة لـ11 سبتمبر، التي توافق اليوم الأحد، تشكل فرصة سانحة للتفكير في المدى الذي غيرت به تلك الهجمات وجه أميركا ومسار تاريخها إلى حد بعيد، حيث ترسخت أجواء وعقليات "الحرب على الإرهاب" في تحركات واشنطن طيلة العقد المنقضي، وفي مقدمة ذلك طبعاً مخاضات الحرب المريرة والمكلفة في كل من أفغانستان والعراق، التي أدى نزيفها ببلاد "العم سام" إلى نوع من قصر النفس والرغبة في الانكفاء على الذات ظهرا واضحين في سرعة تحللها من التزامات المهمة الليبية. وقد أشار كل ذلك إلى أن سيادة أميركا المطلقة على المسرح الدولي، التي بزغت منذ نهاية الحرب الباردة، قد أدركت نهايتها الآن، وخاصة بعدما أنشبت الأزمة المالية أظفارها في مفاصل الاقتصاد الأميركي. ولكن يبقى السؤال: إذا كانت هجمات سبتمبر قد غيرت أميركا إلى هذا الحد، فماذا عن العالم الإسلامي؟ لعل أول ما يستحق الذكر هنا، يجيب الكاتب، هو أن "صراع الحضارات" الذي كثر الحديث عنه خلال الأعوام الماضية لم يقع أبداً. تماماً مثلما أن مشروع "الخلافة" الذي روجت له الأصولية الإسلامية، وتنظيم "القاعدة"، مني بالإخفاق هو الآخر، ولم يلق أي قبول في صفوف الشباب المسلم، الذي تثبت الآن يوميات "الربيع العربي" مدى تعلقه بقيم الحداثة والإصلاح. وإن قدر لهذا الربيع ألا يتعرض للاختطاف على يد التيارات الراديكالية فإن رياح الحرية التي يحملها إلى المنطقة تشكل أبلغ رد على "القاعدة". واليوم بعد مرور عشر سنوات على 11 سبتمبر يتقدم "الربيع العربي" الصفوف باعتباره الرهان الحقيقي المطروح على شعوب المنطقة. وفي ذات السياق كتب أيضاً "فينسان جيري" افتتاحية لصحيفة ليبراسيون استهلها باستدعاء قول أوباما في خطابه بالقاهرة في يونيو 2009: "لقد جئتُ بحثاً عن انطلاقة جديدة للعلاقة بين المسلمين والولايات المتحدة". ولم تكد تمر سنة على ذلك الوعد بتملس انطلاقة جديدة حتى جاءت تلك الانطلاقة وذلك التغيير من العالم العربي نفسه، حين انطلقت أحداث الربيع العربي. إعداد: حسن ولد المختار