نقلت وكالات الأنباء العالمية تقريراً عن مصرف بنك "أوف أميركا -ميري لينش" (Bank Of America - merill Lynch) ذكرت فيه أن البنك يقدر ما تم الإعلان عنه حتى الآن من زيادة في إنفاق دول مجلس التعاون الخليجي، نتيجة الاضطرابات المصاحبة لما يسمى "الربيع العربي"، بحوالي 150 مليار دولار أميركي. إن هذا المبلغ يشكل ما نسبته نحو 12.8 في المئة من إجمالي الناتج القومي لدول مجلس التعاون الخليجي. المحللون الاقتصاديون في البنك يتخوفون من أن هذه المبالغ لن تكون كافية على المدى البعيد في دول مجلس التعاون، لكنها (أي المبالغ) ساهمت على أية حال مساهمة كبيرة في تهدئة الأمور في معظم الدول الخليجية. ويؤكد التقرير أن زيادة الإنفاق على المدى البعيد لن تكون كافية لخلق الوظائف للشباب الطامح لدخول سوق العمل، وأن ما تحتاجه هذه الدول هو إدخال إصلاحات شاملة وسريعة. وأشاد التقرير بحكومة دولة الإمارات العربية المتحدة لكونها أكثر دول الخليج العربية تنويعاً للاقتصاد حتى أن اعتمادها على عائدات النفط لم تعد تزيد عن 50 في المئة من الدخل العام. وبذلك فإن هذا التقرير المهم يدق ناقوس تنبيه لاقتصاديات دول الخليج العربية، حيث يتواصل الاعتماد على زيادة الإنفاق في الخدمات العامة من تعليم وصحة وإسكان وغيرها، في تكريسٍ لمفهوم الدولة الريعية. وما نود التأكيد عليه هنا هو أن حكومات دول مجلس التعاون تحظى بقبول ورضا شعبي كبيرين، وأن معظم المطالبات هي ذات طابع أخلاقي يتعلق بمزيد من الحريات والوظائف للشباب الخليجي. إنها مطالبات أخلاقية؛ لأن شعوب المنطقة لم تتعرض للاضطهاد مثل ما يحصل في الدول العربية ذات الأنظمة العسكرية الاستبدادية. لكن ذلك لا يعني أن دول المجلس لن تتعرض لمطالب شعبية جديدة، خصوصاً وأن الشباب في دول التعاون يشكلون الأغلبية السكانية الساحقة بنسبة تصل 70 في المئة من المواطنين. كما أن معدلات استعمال الشباب الخليجي لنظم المعلومات الحديثة، من إنترنت وفيسبوك وتويتر وغيره، هي معدلات مرتفعة جداً... مما يتطلب خلق فرص عمل جديدة تغطي مطالب خريجي الجامعات اللذين تزداد أعدادهم سنوياً. إن الشباب لا يمكن إرضاؤهم بتوفير وظائف حكومية غير منتجة، خصوصاً وأن الجهاز الحكومي البيروقراطي متضخم جداً ويلتهم معظم ميزانيات دول الخليج. لذلك يتعين خلق فرص عمل جديدة وحقيقية، بعيداً عن المحسوبية والمعايير التقليدية المتمركزة حول الولاء الفئوي. ونعود إلى تقرير المصرف الأميركي، ونقول إن زيادة الإنفاق الحكومي لتحاشي حدوث اضطرابات في منطقتنا، ما هو إلا حل مؤقت لن يدوم طويلاً، وأن ما نحتاج إليه على المدى البعيد هو إصلاحات حقيقية بعيدة عن الاعتماد المفرط على النفط، وعن استمرار هيمنة الدول على الاقتصاد. د. شملان يوسف العيسى