مرت نيبال الواقعة في جبال الهيمالايا، بالعديد من الاضطرابات السياسية، منذ أن تحولت إلى جمهورية منذ ثلاث سنوات على وجه التقريب، وذلك بعدما تمت الإطاحة بالملك على أيدي المقاتلين الماويين. في الأسبوع الحالي، احتفل النيباليون بتولي رابع رئيس وزراء لمهامه خلال فترة لم تزد على ثلاث سنوات فقط، وذلك عندما أتم "د. بابورام بهاتاراي" المعروف على نطاق واسع بأنه الوجه المعتدل للشيوعيين الماركسيين، مراسم حلف اليمين كرئيس وزراء جديد لنيبال. وقد أثار تعيين"بهاتاري" العديد من الآمال بأن الرجل سيكون قادراً على دفع عملية السلام للأمام، والحصول على المزيد من الزخم الإيجابي في عملية صياغة الدستور. والأمور في تلك الدولة الصغيرة، والمهمة مع ذلك، لم تمض كما هو مخطط لها، منذ أن أنهى الماويون قتالهم الذي استمر سنوات طويلة، وتحولوا إلى التيار السياسي الرئيسي بعد الإطاحة بالملكية. عقب تلك الإطاحة، تم إعلان نيبال جمهورية متعددة الأحزاب، بيد أن المشكلة بدأت عندما فوتت الجمعية العمومية"البرلمان" عدداً من المواعيد النهائية التي كانت قد سبق لها تحديدها. فالموعد النهائي الذي تم تحديده للانتهاء من صياغة الدستور، على سبيل المثال، مر من دون أن يتم الانتهاء من تلك الصياغة. علاوة على ذلك، أدت النزاعات السياسية بين الأحزاب إلى مفاقمة حالة عدم الاستقرار السياسي التي تمر بها البلاد، التي تعد واحدة من أفقر دول العالم. والطبقة السياسية في البلاد، لم تتمكن من تعزيز عملية السلام، كما عجزت عن علاج اقتصاد البلاد الذي يمر الآن بحالة من الفوضى العارمة، والضعف بسبب فقدان البوصلة السياسية. وشعب نيبال الذي شعر بالتفاؤل الشديد عندما تمت الإطاحة بالملكية المكروهة، يشعر الآن بالتعب والإرهاق الشديد، بسبب الخلافات المريرة والمستمرة بين الأحزاب السياسية في بلاده. وعدم قدرة الأحزاب السياسية على وضع خلافاتها جانباً، أدت إلى خلق حالة من الغضب الشعبي العميق والإحباط الشديد. ونظراً لأن رئيس الوزراء الجديد يعد من المثقفين الكبار في بلاده، فإنه يتمتع بتأييد ائتلاف من مكون من الأحزاب الإقليمية المنتمية إلى مناطق السهول الجنوبية، وذلك بعد توصل تلك الأحزاب إلى اتفاقية بشأن إسقاط كافة القضايا المرفوعة ضد الناشطين الماويين في المحاكم النيبالية. والمهمة الأولى أمام المشرعين النيباليين في الوقت الراهن، هي صياغة دستور جديد للبلاد. ويشار في هذا السياق أن مدة برلمان البلاد قد انقضت، وتم مدها لثلاثة شهور إضافية لمنح فرصة لأعضاء البرلمان لوضع دستور جديد، وهي ثالث مدة مقدارها ثلاثة أشهر يتم منحها للبرلمان. وعملية صياغة دستور لنيبال عملية في غاية الأهمية لأنها سوف تمهد الطريق لتنظيم انتخابات جديدة بما يمكن من انتخاب حكومة ديمقراطية قادرة على تحقيق النمو المنشود. وحتى يتم اتخاذ هذه الخطوة المهمة، سوف تظل نيبال تعاني من حالة من توقف النشاط وفقدان الحيوية. ومن بين النقاط الرئيسية المثيرة للخلاف والجدل منذ البداية، تلك المسألة المتعلقة بإدماج 19 ألف متمرد من المتمردين النيباليين السابقين في جيش البلاد النظامي. ويشار في هذا السياق إلى أن حزب المؤتمر النيبالي الذي يعد واحداً من أقوى الأحزاب الموجودة في البلاد، والقادة العسكريون الحاليون للجيش النيبالي، يعارضون هذه الخطوة لأنهم لا يريدون الزج بالجيش في الأمور السياسية. بيد أنه من المهم للغاية أن تقوم الأحزاب السياسية بقياس الحالة المزاجية للشعب، وإدراك أنها بحاجة إلى العمل بكامل طاقتها من أجل تحقيق الهدف المشترك والتوصل لتسوية بشأن الجمود الحالي الذي يعم الموقف السياسي في البلاد. تنصب كافة الآمال في الوقت الراهن على"بهاتاري"الذي يشغل في الوقت نفسه منصب نائب رئيس الحزب الماوي. قبل أن يتم انتخابه رئيسا للوزراء، قال "بهاتاري" أمام البرلمان إن عدم القدرة على تكوين حكومة وفاق وطني" أمر يؤسف له للغاية"، وأن البلاد يجب أن تحقق الأهداف التي حددتها، والتي تمتلك القدرة الفعلية على تحقيقها، وإن عليها إثبات ذلك. في الوقت الراهن تجد نيبال نفسها واقعة في دائرة خبيثة من الإحباط وعدم اليقين، كما يواجه "بهاتاري" مهمة شاقة للغاية بسبب الخلافات المريرة بين الأحزاب حول معظم الموضوعات المهمة تقريباً. ويذكر أن الصين والهند قد حاولتا لعقود طويلة تعزيز نفوذهما في هذا البلد الصغير، الذي لا يملك منفذاً على البحر والمتاخم لهما. وقبل الإطاحة بالملكية، كان الملوك المتعاقبون لنيبال على قدر من الذكاء مكنهم من اتباع سياسة تقوم على تحقيق التوازن في العلاقة مع الجارين العملاقين. ويشار هنا إلى أن نيبال - الدولة الهندوسية الوحيدة المعلنة رسمياً في العالم - ترتبط بعلاقات ثقافية ولغوية ودينية وثيقة مع الهند، ما جعل من نيودلهي لاعباً أساسياً في الساحة النيبالية. من ناحية أخرى، عملت الصين بهدوء، عبر السنين، على زيادة نفوذها السياسي والاقتصادي. وكانت الإطاحة بالملك، ووصول الماويين إلى الحكم، سبباً كافياً لتحويل كفة الميزان لصالح الصين. وقد أدى ذلك إلى علاقة مضطربة مع الهند خلال السنوات القليلة الماضية. وتأمل الهند بعد تولي"بهاتاري" منصب رئيس الوزراء، أن يتمكن من دفع عملية السلام في بلاده قدماً للأمام على أساس أن استمرار الأوضاع المضطربة في هذا البلد لا بد أن ينعكس سلباً على الهند. ويشار في هذا الصدد إلى أن رئيس الوزراء الهندي مان موهن سنج كان من أوائل القادة الأجانب الذين هنأوا رئيس الوزراء النيبالي الجديد بتولي مهام منصبه، ووجهوا إليه دعوة لزيارة الهند لبحث تطوير العلاقات بين البلدين في مختلف المجالات. و"بهاتاري" يرتبط بروابط وثيقة مع الهند، حيث درس في جامعة جواهر لال نهرو في نيودلهي كما يحتفظ بعلاقات وطيدة، مع الكثير من أعضاء الحزب الشيوعي الهندي. وتأمل الهند أن تكون هذه الحقيقة، سبباً في فتح فصل جديد ليس فقط لنيبال، وإنما في تاريخ العلاقة بينها وبين تلك الدولة. ويشار هنا إلى أن علاقة الهند بالماويين كانت متوترة ومضطربة وعلى وجه الخصوص خلال فترة حكم رئيس الوزراء السابق "براتشاندا". وهي تأمل الآن، أن يتمكن بهاتاري، الذي يعتبر رجلاً معتدلاً، من تحسين العلاقة بين البلدين في كافة المجالات.