من منطلق الوعي التام بأن التعليم المتطوّر هو القاطرة التي تقود العملية التنموية في أي مجتمع، وباعتبار أن الإنسان هو العنصر المحوري ضمن عناصر الإنتاج لما له من دور مهم في صياغة الرؤى والغايات التنموية لمجتمعه وتحديد أهدافها ومن ثم تعبئة الموارد والإمكانات الاقتصادية وتنظيمها والمزج بين عناصر الإنتاج الأخرى وتسخيرها في ما يحقّق تطلّعات بلاده، تولي دولة الإمارات تطوير التعليم أهمية خاصة وتضع هذا الهدف بين قائمة الأولويات المتقدّمة في عملها التنمويّ منذ نشأتها وعلى مدار العقود الأربعة المنقضية. تنطوي الجهود التي تبذلها دولة الإمارات العربية المتحدة لتطوير قطاع التعليم على محورين رئيسيين يتمّ العمل عليهما بشكل متوازٍ ومتزامن، يتمثّل المحور الأول في التطوير الكميّ للمنظومة التعليمية في الدولة، الذي يقصد به إتاحة الخدمات التعليمية لجميع فئات المجتمع من دون استثناء بـمَـنْ فيه من مواطنين ووافدين، بحيث يكون في مقدور كل منهم الحصول على القسط اللازم من التعليم في الوقت والمكان المناسبين، ويكون القطاع قادراً على تلبية الطلب المتزايد على خدماته، نتيجة الزيادة السكانية المطّردة التي تشهدها البلاد. وينطوي المحور الثاني لتطوير التعليم في الدولة على التطوير الكيفيّ أو النوعي، والمقصود به تطوير محتوى المناهج والمواد الدراسية وطرق التدريس والأدوات والوسائط التعليمية المستخدمة، وكذلك تطوير الموارد التعليمية بما فيها من موارد مادية كالأبنية والتجهيزات وموارد بشرية كالمعلمين والإداريين؛ لبناء منظومة تعليمية متطوّرة من حيث الكمّ والكيف، تركّز على إكساب الطلاب مهارات الإبداع الفكري والتفكير الخلاّق بعيداً عن أساليب التعليم التقليدية، وذلك انطلاقاً من أن التعليم الجيد هو الذي يسمح بإعداد أجيال مفكّرة ومبدعة ترتبط بقضايا المجتمع وتعي أولوياته وأهدافه التنموية وتكون قادرة على استشراف آفاق المستقبل والتفاعل مع التحوّلات الاقتصادية والثقافية المتسارعة التي تشهدها الدولة كجزء من التحوّلات الشاملة التي يشهدها العالم. تمثّل هذه المعطيات الأرضية التي تنطلق منها دولة الإمارات في تخطيطها نحو المستقبل، وهي الخطوط العريضة التي تحكم تحرّكات المؤسسات المسؤولة عن تنظيم القطاع التعليمي الإماراتي على المستويين الاتحادي والمحلي أيضاً، والمؤكد أن المبادرات التي أقدم عليها "مجلس أبوظبي للتعليم" خلال الفترة الأخيرة ليست إلا جزءاً من هذا العمل التعليمي المتكامل على مستوى الدولة، خاصة البدء في تطبيق "النموذج المدرسي الجديد" الذي يتوافق مع أحدث المستجدّات العالمية في ما يتعلّق بمخرجات التعليم وموارد العملية التعليمية وطرق التقويم والتطوير المهني للمعلمين إلى غير ذلك من عمليات التطوير الشاملة، وإلى جانب ذلك تأتي الجهود التي تبذلها إمارة أبوظبي عبر المجلس أيضاً، التي ترمي إلى الانتهاء من إغلاق ما يسمّى "مدارس الفلل"، التي يبلغ عددها نحو 71 مدرسة، ونقل بعضها إلى مبانٍ جديدة منشأة ومجهّزة لهذا الغرض، بالتوازي مع منح تراخيص لعدد يصل إلى نحو 95 مدرسة جديدة، لتفادي حدوث نقص في الأماكن المتاحة للطلاب في المدارس الخاصة، ولتعزيز التنافسية في قطاع التعليم الخاص الذي يمثّل، إلى جانب المدارس الحكومية، ركيزة أساسية للعملية التعليمية في الدولة. تمثّل المبادرات التي ينفذها "مجلس أبوظبي للتعليم" دعماً مباشراً لقطاع التعليم واستثماراً يتوقّع أن يؤتي ثماره الإيجابية على المنظومة التعليمية في الإمارة خلال عدد محدود من السنوات، بما يحقّق طفرة كمية وكيفية ملحوظة في القطاع، كجزء من التطوّر الشامل الذي يشهده قطاع التعليم على مستوى الدولة كلها. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.