اشتقت الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية اسمها من اسم عاصمتها، التي عرفت بهذا الاسم لوقوع أربع جزر قبالة ساحل المدينة وهكذا سماها مخلصها من الرومان -بلكين بن زيري في القرن العاشر الميلادي، والجزائر اليوم هي أكبر بلد عربي وأفريقي من حيث المساحة وذلك بعدما انفصل جنوب السودان عن شماله. ومصدر اسم الجزائر -جزر- له مشتقات عديدة، فمنها جزر أي قطع التي اشتقت منها كلمة الجزور وهو لحم الناقة، ومنه الجزر وهو انحسار الماء وعكسه المد، ولا أعرف علاقة نبات الجزر بمصدر "جزر". الجزائر بلد عزيز على العرب والمسلمين جميعاً، وكان يسمى ببلد الإسلام، فمنه انطلقت فتوحات عديدة، ومعه شهد العالم ثورة للحرية ضد الاستعمار الفرنسي راح ضحيتها أكثر من مليون شهيد، ولذا يسمى بلد المليون شهيد. أذكر أن أول قضية للشأن العربي العام عايشتها طفلًا بداية الستينيات كانت الثورة الجزائرية التي كنا نتبرع لها بلا منة وبشعور الواجب القومي لثوارها، وأول فيلم سينمائي شاهدته في حياتي على حائط نادي الشهداء بالجهراء بالكويت، وكان يروي شهادة بطولية لثوار الجزائر. وبقيت الجزائر معلقة في قلوب كل محبي الحرية حتى تلاشت بالتحولات التي صورها الطاهر وطار في رواية "الزمن الحراشي"، أو نحتتها الروائية الجزائرية أحلام مستغانمي في رائعتها "ذاكرة الجسد". ففي الروايتين تصوير للتحولات التي جرت لمن قفز على جثث الشهداء طمعاً في السلطة والثروة والجاه، وقام بارتكاب شنائع يخجل أمامها مجرمو الحرب الفرنسيون أثناء الاحتلال. كما يسود شعور لدى محبي هذا البلد أنه يعيش سياسة عزلة سياسية وخصوصاً في أعقاب الثورتين التونسية والليبية المحاذيتين للجزائر على حدوده. فالانطباع العام أن الجزائر الرسمي لم يساند الشعبين التونسي والليبي بالثورة على الديكتاتورية والطغيان، وبل يسود انطباع بأن الجزائر الرسمي وقف ضد الشعبين التونسي والليبي بمساندة طغاتهما، أو لم يتمنَّ نجاح الثورتين في أحسن الأحوال. وقد خلق هذا الانطباع حيرة لدى كثير من المراقبين والمحبين لهذا البلد الثائر، فكيف يقف بلد الثورة ضد الثورة؟ وكيف تساند حكومة بلد عانت الظلم والطغيان طغاة ارتكبوا فظائع في حق شعوبهم؟ وجاء استقبال الجزائر لعائلة القذافي كدليل للمشككين على أن تنسيقاً كان يجري بين الجزائر الرسمي والعقيد القذافي حتى اليوم، وهو أمر قد يشكل عقبة مستقبلية في علاقات ليبيا ما بعد الثورة مع جارتها وشقيقتها الجزائر. وليس بخاف على أحد أن الجزائر الرسمي يشكل العقبة الحقيقية لحل مشكلة الصحراء الغربية، فالبوليساريو منظمة شكلية تعيش على الدعم الجزائري وحسب، ويعجب المراقب من إصرار الجزائر على إبقاء هذا الجرح النازف مفتوحاً رغم كل المبادرات التي تقدمت بها المغرب لإنهاء هذا الصراع الذي قارب عمره على أربعة عقود. على الرغم من أن المغرب والجزائر عضوان مؤسسان في الاتحاد المغاربي الذي يضم تونس وليبيا أيضاً. إن الحرص على الجزائر وتاريخها يدفع بالنصح بتحريك ملفات لا مبرر لها، وإغلاق ملف الصحراء الغربية مفتاحه في الجزائر العاصمة، وحري بالجزائر التي لعبت أدواراً وسيطة بناءة في الماضي -بإنهاء أزمات عالمية مثل أزمة الرهائن الأميركيين بسفارتهم بطهران، وأزمة اختطاف الطائرة المدنية الكويتية عام 1988 والتوسط لإنهاء الحرب العراقية الإيرانية التي أودت بحياة وزير خارجيتها محمد بن يحيى وصحبه. آن للجزائر الرسمي أن يتجاوز حالة الجزر السياسي ويقوم بما يفترض به كبلد عربي مهم، وإغلاق ملفات طال فتحها دون مبرر، وأن يعود لحالة المد الجزائري، بدلًا من حالة الجزر الجزائرية، فلا يجب أن يكون لكل امرئ من اسمه نصيب بالسياسة!