للبحث في أزمة المياه في العالم العربي جوانب عدة يتعلق بعضها بشح هذه المادة الحيوية في المنطقة، وانخفاض حصة الفرد منها مقارنة بالمعدل العالمي، والخلافات البينية في بعض الدول حول حصة المياه من الأنهار، لكن فضّل د. عبدالعاطي بدر سالمان في كتابه المعنون بـ"الصراع على المياه في المنطقة العربية: مشروع قناة البحرين المخاطر الطبيعية والآثار البيئية"، التركيز على مبحث مهم خاص بمشروع "قناة البحرين" المزمع تنفيذه في إطار التعاون بين الأردن وإسرائيل. الكتاب الذي يضمن بين دفتيه 164 صفحة يتناول المشروع بكل تفاصيله وأبعاده مدعماً ذلك بالربط الواضح بينه وبين مشكلة المياه في المنطقة، التي أفرد لها فصلاً كاملاً جاء ترتيبه السادس بين سبعة فصول شملها هذا المنتج البحثي. وتظهر الطبيعة العلمية للموضوع بوضوح عبر الاستدلالات الرقمية والبيانات والرسوم التوضيحية، ويبدو أن الكاتب تأثر بدراسته العلمية كونه حاصلاً على درجة الدكتوراه في العلوم، وهوأستاذ متفرغ بهيئة المواد النووية المصرية، والرئيس السابق للهيئة. فكرة المشروع تقوم على ربط خليج العقبة بالبحر الميت والبحر المتوسط، وذلك بحجة حماية البحر الميت من الإندثار جراء تناقص كمية المياه الصادرة إليه، لكن "فكرة ربط البحر الميت بأحد البحرين (المتوسط أو الأحمر أو كليهما) ليست جديدة، فعقب قيام فرنسا بإقناع مصر بحفر قناة السويس، فكرت بريطانيا في إيجاد البديل". ويشير د.عبدالعاطي إلى أن "وليام آلن" طرح عام 1850 فكرة ربط البحرين الميت بالمتوسط، وما أن تراجع الاهتمام البريطاني بالفكرة، حتى تلقفتها الحركة الصهيونية، حيث عرض "هرتزل" المشروع في كتابه "الأرض القديمة والجديدة". اللافت أيضاً- حسب ما ورد في الكتاب- أن الوكالة اليهودية قامت عام 1938 بتكليف لجنة خاصة لدراسة الأوضاع المائية في فلسطين، وأوصت بتحويل مياه نهر الأردن إلى النقب وشق قناة تصل البحرين المتوسط بالميت "من خليج عكا إلى غور بيسان ثم إلى البحر الميت". وقد تعززت الفكرة لدى الحركة الصهيونية بعد قيام مصر بتأميم قناة السويس عام 1956. الكاتب يعرض للدوافع الإسرائيلية من وراء ربط البحر الميت بأحد البحرين (المتوسط أو الأحمر)، لافتاً أن الأمر يتعلق بحلم صهيوني قديم يخدم مشاريع الاستيطان وبسط النفوذ في المنطقة العربية برمتها. من المهم أيضاً التذكير بأن شارون من أبرز المروجين والمدافعين عن "قناة البحرين"، انطلاقاً من كونه سيدمر المقاطعة العربية، ويقدم حلولاً لمشكلة الطاقة. وينتقل الكاتب إلى بعد تكتيكي ذي صبغة عسكرية، يتمثل في أن المشروع قد يضع حدوداً أمنية وعسكرية تعوق تقدم أية قوات عربية من الشرق في اتجاه إسرائيل، وستحد من تنفيذ عمليات داخل إسرائيل.كما أن تغيير البنى الديموغرافية، والجغرافية من خلال القناة المقترحة سيعزز سيطرة إسرائيل على الضفة الغربية لنهر الأردن، وربما يديمها للأبد. "قناة البحرين" يعتبرها البعض "خطوة جديدة في المشروعات المعدة لبناء النظام الإقليمي الجديد، أو الشرق الأوسط الجديد الذي يصل المصالح الأميركية والإسرائيلية في البحر الأحمر بامتداداتها في العراق. الدراسات تشير إلى أن كلفة المشروع تصل إلى 3.15 مليار دينار أردني وسيوفر 850 مليون متر مكعب من المياه العذبة المحلاة، وسيتم توزيع 380 مليون متر مكعب على إسرائيل وفلسطين والباقي للأردن. صحيح أن البحر الميت يعاني من مشكلات بيئية، لكن الأخطار الناجمة عن تنفيذ المشروع أكبر بكثير مما يُقال عن فوائد قد تنجم من وراء المشروع، من بينها احتمال وقوع زلازل مدمرة في منطقة الأغوار الأردنية، بسبب الضغط المتزايد على قاع البحر الميت جراء المياه القادمة إليه من البحر الأحمر، كما أن القناة ستمر فوق فالق شمال أفريقيا، وهو فالق نشط زلزالياً، وأي تسرب في المياه قد يُنشط الزلازل مرة أخرى بالمنطقة. كما يستدل المؤلف على وجهة نظر أحد الباحثين الأردنيين- د.سفيان التل- تتمثل في وجود سلبيات منها أن المشروع سينفذ على أرض أردنية بتمويل عربي ودولي، وإن إسرائيل هي التي ستجني الفوائد، علماً بأن إسرائيل استولت على الأراضي المشاطئة للبحر الميت في الضفة الغربية، كي تعوق التواصل الفلسطيني مع الشاطئ الغربي للبحر الميت. ويقول "التل" إن الأهداف الإسرائيلية تتضمن توليد طاقة كهربائية نتيجة فرق الارتفاع في مناسيب المياه، وإقامة مفاعلات نووية جديدة قد يصل عددها إلى أربعة. وإقامة مجمعات سكنية حوالي 100 مستعمرة ومستوطنة لاستيعاب آلاف المهاجرين الجدد وتزويدهم بالطاقة الكهربائية، ناهيك عن تحقيق نبوءة توراتية تشير إلى صيد السمك في البحر الميت. وثمة أضرار تطال الأردن يسردها د. "التل" منها إغراق أراضي أردنية وتشريد سكانها، وربما إغلاق أجزاء من طريق "سويمة- العقبة"، وغمر منشآت شركة البوتاس العربية، إضافة إلى "تحويل البحر الميت المتفرد بهذا الاسم إلى بحر حي، وإفقاده هويته وإحداث خلل كيمياوي في مياهه. مشروع "قناة البحرين" طرحه وزير المياه الأردني إبان قمة الأرض للتنمية المستدامة جوهانسبرج عام 2002، رابطاً المشروع بحماية البحر الميت من الجفاف، ما أعتبره البعض مفاجأة كونه جاء دون أي تشاور عربي مسبق. وعلى حد قول د.عبدالعاطي، فإن المشروع قد أعيد تنشيطه في 9 مايو 2005 عندما تقدمت الأردن وإسرائيل والسلطة الفلسطينية بطلب إلى البنك الدولي لتمويل دراسة جدوى للمشروع بتكلفة 15،5 مليون دولار. المسألة الخاصة بإنقاذ البحر الميت من الجفاف، يتعامل معها المشروع عبر تزويد البحر بالمياه لإعادة ملئه ليصل إلى المستوى الذي كان عليه عام 1930 في فترة تستغرق 10 إلى 20 عاماً. علماً بأن منسوب مياه البحر الميت ينخفض بمعدل متر واحد سنوياً، ليصبح مستواه هو الأدنى في العالم. الأبعاد المتشابكة للمشروع تضفي عليه تنوعاً أو "تلوناً"، ينطلق من تساؤلات مفادها: هل هو مشروع بيئي يروم الحفاظ على المنظومة البيئية الفريدة للبحر الميت، أم أنه مشروع اقتصادي بحت لا يرجى منه سوى تطوير المنطقة، أم أنه مشروع للتطبيع، أم مرحلة "ترانسفير جديدة" قد تستقطب ملايين إضافية من يهود العالم؟ طه حسيب ------ الكتاب: الصراع على المياه في المنطقة العربية: مشروع قناة البحرين المخاطر الطبيعية والآثار البيئية. المؤلف: د. عبدالعاطي بدر سالمان دار النشر" دار الكتاب الحديث تاريخ النشر" 2011