يكثر الحديث في البيت الأبيض هذه الأيام عن إلحاق هزيمة استراتيجية بتنظيم "القاعدة"، فقد استخدم مدير وكالة الاستخبارات المركزية "ليون بانيتا" عبارة "هزيمة" في شهر يوليو الماضي، كما أن الرئيس أوباما صرح في استراتيجيته لمكافحة الإرهاب قائلاً: "نستطيع التأكيد بكل ثقة بأننا وضعنا القاعدة على طريق الهزيمة". ويبدو أنه مقارنة بالوضع المزري للاقتصاد واستفحال الأزمة يلجأ البيت الأبيض إلى ملف الإرهاب باعتباره الملاذ الآمن للإدارة الأميركية والإنجاز الوحيد الذي تحقق حتى الآن. والحقيقة أن الهزيمة كلمة أكبر في مدلولاتها مما يتم تداوله على لسان السياسيين الساعين إلى كسب الشعبية وتسجيل نقاط سياسية، ولذا فإن التسرع بتأكيد العبارة ينطوي على العديد من المخاطر والمجازفات، فعلى رغم الخطوات الجبارة التي قطعتها الولايات المتحدة خلال العقد الأخير لضرب الأهداف وتحديدها بدقة وتحسين المعلومات الاستخبارية وتقويض قدرات الجماعات الإسلامية المسلحة، والنيل من بن لادن الذي كان قتله إنجازاً حقيقيّاً بكل المقاييس، إلا أن المعركة مع الإرهاب لم تنته بعد، بل ما زالت فصولها متواصلة، كما أن أوقاتاً صعبة ما زالت تنتظر أميركا، ومن الخطأ إعلان النصر والتسرع بالحديث عن أفول نهائي لـ"القاعدة" وذلك لعدة أسباب، منها أن هزيمة "القاعدة" كما يذهب إلى ذلك السياسيون في الإدارة الأميركية لم تعد بذات الأهمية التي يسعى أوباما إلى إضفائها عليها، فقد تحول التنظيم الإرهابي، الذي استهلكت أميركا كثيراً من الجهد والوقت لتفكيكه، إلى تهديد هلامي غير ممركز بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر. وهذا الجسم المفكك الذي آل إليه حال "القاعدة" بعد الضربات القوية التي تعرضت لها يتكون حاليّاً من ثلاثة عناصر أساسية: التنظيم الأصلي الذي يضم النواة الأساسية لـ"القاعدة"، ومجموعات مرتبطة بها وتابعة لها موزعة في أنحاء مختلفة من العالم مثل الصومال واليمن دون أن تأتمر مباشرة بأوامر القادة الرئيسيين في "القاعدة"، ثم هناك العنصر الأخير المتمثل في الإرهاب المحلي الذي يستلهم نشاطه من الفكر المتطرف والذي غالباً ما يتواصل عبر الإنترنت دون عناء السفر، أو الانتقال إلى الخارج. وفيما يتعلق بالنواة الصلبة لـ"القاعدة"، فلاشك أنها تلقت ضربات قاسية منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر عندما غزت أميركا أفغانستان وفككت معسكرات التدريب التي كانت تعتمد عليها "القاعدة"، وأطاحت بـ"طالبان" التي شكلت الحاضنة الأولى لذلك التنظيم، ثم تبع ذلك فرار بن لادن وتشتت تنظيمه في الأرض. وحسب تقديرات وكالة الاستخبارات الأميركية فقد تقلص عدد أعضاء "القاعدة" إلى 50 أو100 مقاتل على الأغلب وكانت آخر عملية ناجحة أشرف عليها بن لادن هي تفجيرات "مترو" الأنفاق في لندن 2005. ولكن في المقابل تصاعد الخطر المتأتي من المجموعات الإرهابية المرتبطة فكريّاً على الأقل بتنظيم "القاعدة"، ومعها ازداد تهديد الإرهاب المحلي داخل أميركا، وفي هذا السياق يمكن الإشارة إلى عملية "فورت هود" في عام 2009 التي تم فيها إطلاق نار في قاعدة عسكرية أميركية بتكساس سقط على إثره العديد من القتلى، بحيث كانت تلك العملية هي الأسوأ في أميركا منذ هجمات 11 سبتمبر. وقد تبين أن المسؤول عنها إرهابي مولود في أميركا. وتضاف إلى ذلك محاولة تفجير سيارة في ميدان "تايمز سكوير" بنيويورك في 2010 ضلع فيها أميركي تدرب في باكستان على أيدي "طالبان". ومن الجماعات الأخرى التي كادت تلحق ضرراً فادحاً بأميركا أيضاً تنظيم "القاعدة في شبه الجزيرة العربية" الذي كان وراء محاولة تفجير طائرة الركاب يوم أعياد الميلاد في عام 2009 وإرسال طابعات مفخخة عبر طائرات للشحن في 2010، وقد أفاد مركز السياسات للحزبين أن ما لا يقل عن 11 عملية كانت تستهدف أميركا في عام 2009 تم ضبطها، وجميعها ذات صلة بجماعات إرهابية مرتبطة بـ"القاعدة"، أو بعناصر محلية متأثرة بفكرها. أما السبب الثاني الذي يدفعنا للحذر وعدم التسرع بإعلان هزيمة "القاعدة" فيتمثل في طبيعة الأسلحة التي يمكن استخدامها، فمع أن الإرهاب ضد أميركا ليس جديداً، إلا أن الجديد هو المخاوف من إمكانية استخدام الإرهابيين لأسلحة دمار شامل، وقد سبق لجماعة يابانية في عام 1995 أن أطلقت غاز "السارين" في "مترو" الأنفاق بطوكيو متسببة في مقتل 12 شخصاً وجرح الآلاف. وكانت تلك هي المرة الأولى التي يستخدم فيها سلاح للدمار الشامل في عملية إرهابية. ويمثل احتمال استخدام نفس النوعية من السلاح لشن هجوم على أهداف داخل أميركا الشغل الشاغل للمسؤولين الأمنيين في الولايات المتحدة، وقد تأكد مثل هذا الخطر في عام 2005 عندما سئلت لجنة تضم ستين من العلماء البارزين في الأسلحة النووية حول احتمالات تعرض أميركا لهجوم بأسلحة دمار شامل فجاءت معظم الإجابات متخوفة من حدوث إمكانية وقوع مثل تلك الكارثة، ولاسيما أن التقديرات تشير إلى وجود ما يكفي من المواد الانشطارية في العالم بالقدر اللازم لصنع 120 ألف سلاح، ويزيد الأمر سوءاً طالما أن تخزين تلك المواد غير مؤمن بطريقة كافية، فضلًا عن ووجود دول مارقة تواصل أيضاً تطوير برامجها النووية. وأخيراً يتمثل السبب الثالث الذي يمنعنا من إعلان هزيمة "القاعدة" في الحالة غير المرْضية التي توجد عليها الوكالة المسؤولة عن الاستخبارات المحلية الأميركية، المتمثلة في مكتب التحقيقات الفيدرالي، فهذا المكتب ما زال ينظر إلى المحللين الذين يضطلعون بدور أساسي على أنهم "فريق مساند" مثلهم مثل السكرتارية والبوابين، كما أن تكنولوجيا المعلومات المستخدمة داخل الجهاز قديمة ومتجاوزة، ناهيك عن ثقافة مكافحة الجريمة التقليدية التي ما زالت سائدة في أروقته، بل إن هناك محاولات جارية حاليّاً لتقليص أقسام الأرشيف المتعلقة بالمعلومات الاستخبارية حتى "لا يضيع" عناصر المكتب وقتهم في قراءة التقارير السرية المفيدة لعملهم. ولذا ونظراً إلى كل هذه الأسباب جميعاً فإن من السابق لأوانه القطع "بالهزيمة الاستراتيجية للقاعدة". ------ آمي زيجارت باحثة بارزة في معهد "هوفر" للأبحاث ------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم. سي. تي. إنترناشونال"