اندلعت الحرب في جنوب النيل الأزرق ودخلت قوات كثيفة من الجيش السوداني إلى مدينة الدمازين، وأعلنت الخرطوم (حالة الطوارئ) في ولاية جنوب النيل الأزرق، وأقال الرئيس البشير اللواء مالك عقار حاكم الولاية المنتخب وحكومته، وعين ضابطاً برتبة كبيرة "حاكماً عسكريّاً" للولاية. وقد اندلعت المواجهة التي كان المتفائلون يتصورون أنه بالإمكان تفاديها خاصة بعد أن قبل البشير آخر المبادرات الإثيوبية التي قادها الرئيس زيناوي، وجمع بين الرئيس ومالك عقار وياسر عرمان والحلو من جانب "الحركة الشعبية" في جمهورية السودان، وأعلن أن الرئيس السوداني قبل بوقف إطلاق النار وتكوين لجنة مشتركة من الطرفين لتنفيذ الاتفاق الإطاري الذي تم توقيعه يوم 28 يونيو بأديس أبابا، ووقعه نيابة عن الرئاسة والحزب الدكتور نافع. ولكن حزب "المؤتمر الوطني" رفضه وندد به بعد عودة البشير من زيارة للصين.. وظللت سماء الخرطوم "سحابة صيف" من الأمل بتغليب الحكمة والعقل والمصلحة الوطنية العليا، وساد تفاؤل حذر خاصة عندما تم للرئيس ما طلبه من قبل بأن يأتي اللواء مالك عقار للخرطوم، وذلك ما حدث وتم اجتماع مغلق بينهما بحضور وشهادة زيناوي، واتفقوا على إجراء مفاوضات ثنائية بين الحكومة والحركة الشعبية خارج السودان بجانب اعتماد الاتفاق والآلية الرفيعة (لجنة الاتحاد الأفريقي). وقد لقيت المبادرة الإثيوبية الأخيرة ترحاباً واسعاً من المهتمين إقليميّاً ودوليّاً ومحليّاً، إلى درجة أن الأمين العام للأمم المتحدة قد رحب بها واعتبرها خطوة متقدمة، وأمل أن تقود إلى خطوات متقدمة لحل المشكل السوداني الذي حيّر العالم ومعه الشعب السوداني نفسه. وكان مالك عقار قد حذر في حديث مع مجموعة من الصحفيين، من أن تتراجع الحكومة عن الاتفاق الأخير، وتستجيب للأصوات المتعصبة والداعية للحرب، وقال نحن مع السلام والسلام ممكن أن يتحقق ولكن ذلك يحتاج لحوار على نار هادئة ونفس طويل لمعالجة مشاكل هذا البلد المنكوب، لافتاً إلى أن أزمة جنوب كردفان لو استمرت أكثر من ذلك، فسيصعب حلها. إن السودان اليوم بلد منكوب بضائقة معيشية وصلت إلى حد أن الناس في مدينة أم درمان يتظاهرون في منتصف الليل طلباً لجرعة ماء في شهر رمضان المعظم! وكيف يتصور عاقل أن بلداً كالسودان يبلغ فيه سعر كيلو الطماطم خمسين جنيهاً! وبالمناسبة فالطماطم ليست مادة غذائية ترفيهية بالنسبة لأغلب الناس، بل إنها أساسية لتطعيم الوجبة الوحيدة التي يعيش عليها الناس.. والغلاء يسحق الناس، والأمراض والأوبئة امتدت من معسكرات النازحين في أطراف العاصمة إلى قلبها.. ويكفي لمن يريد أن يعرف أحوال السودانيين اليوم أن يطالع فقط عناوين الصحف. فهل يعقل في مثل هذا الحال الخطير والأخطار التي ستواجه البلد وشعبه أن تعود حكومة "الإنقاذ" بالسودان إلى زمن الحرب الأهلية؟ في رأيي الشخصي أن الحكومة تخطئ كعادتها حين تستعين بالشعب وبالأقاليم والمجتمع الوطني لتحقيق نصرها الشخصي على مالك عقار والحلو وعرمان وبقية رفاقهم، وأن يكون ضحاياها هم المساكين البؤساء الفقراء من شعب جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق. وهل سيظل العالم ينظر ويرى ويشاهد ما يجري من حرب هنالك ويكتفي بإصدار القرارات والتصريحات الصحفية؟ وهل يصح أن تقف القوى السياسية والدينية الخيرة في الجنوب وتكتفي بالتحسر والاحتجاج على ما يجري من جرائم في حق بعض مواطنيه المساكين في جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق؟ إن العودة إلى الحرب الملعونة جريمة في حق الإنسان السوداني، والساكت على الظلم شريك فيه.