تشير فكرة منتشرة على نطاق واسع إلى أن العالم قد تغيَّر بشكل عميق بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001. هجمات قد تكون أدت إلى تغيير هيكلة النظام العالمي نفسه بشكل عميق بحيث لم يعد ثمة شيء مثلما كان من قبل. والحال أن الأمر يتعلق هنا بفكرة جاهزة، في حين أن الواقع مختلف تماماً. الأمر يتعلق هنا في الواقع بما يمكن أن نسميه خلطاً بين الصدمة التي تسببت فيها هذه الهجمات وتأثيرها الحقيقي على التوازنات الاستراتيجية. فمما لا شك فيه أن كل واحد منا مازال يتذكر بشكل جيد في أي لحظة، وفي أي ظروف، وفي أي مكان تلقى نبأ الفاجعة. مشاعر الصدمة كانت قوية لدى الجميع. وقد قامت كل تلفزيونات العالم بنقل صور الحادث بشكل متواصل. وكان عنصر المفاجأة كبيراً، ويمكن القول إنه حتى أفضل كتاب السيناريو في هوليوود لم يكونوا ليتخيلوا مثل هذا الاستعمال شبه السريالي لطائرات مدنية وتحويلها إلى قذائف مميتة ضد القوة العظمى الوحيدة في العالم التي كانت تبدو كما لو أنها لا تقهر وفي منأى عن أي تهديد. وكان البرجان التوأم معروفين من قبل الجميع ويمثلان رمز القوة الاقتصادية والتجارية الأميركية. يضاف إلى ذلك الحصيلة الثقيلة للضحايا حيث مات نحو 3 آلاف بريء في ظروف فظيعة ومؤسفة. باختصار، يمكن القول إن كل العناصر كانت متوافرة حتى تكون هذه الهجمات غير مسبوقة من نوعها ومنقطعة النظير. ولكن أن نستنتج من ذلك أنها أدت إلى خلق عالم جديد يمثل خلطاً بين التأثير النفسي والنتائج البنيوية. أجل، إن أحداث الحادي عشر من سبتمبر ستظل محفورة في الأذهان إلى الأبد، وهي مما لا شك فيه حدث تاريخي؛ إلا أنها بالمقابل لم تؤد إلى تغيير عميق لموازين القوى الدولية وحالة كوكبنا. فما لا شك فيه أن العالم لم يعد مثلما كان تماماً قبل 10 سنوات؛ غير أن أغلبية التغيرات لم تأت من الحادي عشر من سبتمبر، وإنما من عوامل أخرى. فقد ضُربت الولايات المتحدة على نحو لم يكن يخطر على بال أحد من قبل هجوم خارجي على ترابها؛ وراج الحديث وقتئذ عن "بيرل هاربر إرهابي" (نسبة إلى الهجوم الياباني على قاعدة بيرل هاربر البحرية الأميركية أثناء الحرب العالمية الثانية). غير أنه حتى هذا التشبيه كان دون الواقع على اعتبار أن "بيرل هاربر" لا تقع على التراب الأميركي القاري (فهي جزيرة من جزر هاواي)، كما أن الهجوم الذي تعرضت له لم يبث على قنوات التلفزيون العالمية مباشرة. وكان يتعين ربما العودة إلى عام 1812، عندما أراد البريطانيون إحراق البيت الأبيض من أجل تشبيه ممكن، غير أن الولايات المتحدة بالطبع لم تكن تمتلك في ذلك الوقت القوة التي تمتلكها اليوم في 2011. ولكن، هل أُضعفت الولايات المتحدة نتيجة لذلك؟ لا، بل إنها مازالت تمثل القوة الأولى في العالم، متقدمة على الآخرين كثيراً. ومما لا شك فيه أن مراتب كل من الصين وروسيا وأوروبا والبرازيل، وكل البلدان الأخرى قد تطورت وتقدمت منذ الحادي عشر من سبتمبر، ولكن لأسباب لا علاقة لها بالهجمات. ذلك أن صعود الصين والبرازيل والهند لا علاقة له بالحادي عشر من سبتمبر؛ مثلما أن التحديات العالمية الكبيرة، سواء تعلق الأمر بمكافحة ارتفاع حرارة الأرض أو تقليص التخلف أو تحسين الحالة الصحية للكوكب، لم تتأثر بالحادي عشر من سبتمبر البتة. حرب العراق كانت نتيجة للحادي عشر من سبتمبر، ولكن كان بإمكان الأميركيين أن يختاروا جواباً آخر على الحادي عشر من سبتمبر غير حرب العراق، وهو رأي يشاطره العديد من الناس وبخاصة أوباما. والحقيقة أن "المحافظين الجدد" كانوا يدعون إلى هذه الحرب منذ 1998، وبالتالي، يمكن القول إن الحادي عشر من سبتمبر ليست سبب حرب العراق وإنما ذريعتها. صحيح أن هذه الحرب – والسياسة الأحادية التي تبناها جورج دبليو. بوش - ساهمت في تراجع نسبي للولايات المتحدة؛ غير أن هذا التراجع النسبي لم تزده سياسة جورج دبليو. بوش إلا حدة؛ أما مصدره الرئيسي، فيتمثل في أسباب بنيوية أكثر أهمية تتعلق في المقام الأول بصعود دول كبيرة أخرى مثل الصين والبرازيل والهند، إلخ. إن آخر ثورة استراتيجية غيَّرت النظام العالمي ليست هي الحادي عشر من سبتمبر، بل التاسع من نوفمبر (1989)، عندما سقط جدار برلين الذي كان يفصل أوروبا ويقسمها، ومعها العالم، إلى كتلتين: شرقية اشتراكية يقودها الاتحاد السوفييتي، وغربية رأسمالية بقيادة الولايات المتحدة. ذلك أنه بسقوط الجدار انتهى عهد العالم ثنائي القطبية الذي أطر العلاقات الدولية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. ومنذ ذلك التاريخ، يعرف العالم تشكل نظام جديد يبنى على اتجاهات طويلة المدى. وهناك اتجاهان رئيسيان عموماً هما: نهاية عهد احتكار القوة التي يهيمن عليها العالم الغربي منذ 5 قرون، وازدياد أهمية الآراء العامة والشعوب في القرار الدولي.