يعدّ النمو الاقتصادي أحد المؤشرات الرئيسية التي يستدل بها على مدى صحة السياسات الاقتصاديّة التي تتبعها دول معينة دون أخرى، وليس ارتفاع معدل النمو الكمّي بمفرده هو المعيار لسلامة الاقتصاد الوطني لأي دولة، أو لنضج السياسات الاقتصاديّة التي تطبقها، بل إن استقرار معدل النمو من عام إلى آخر يعدّ بدوره معياراً مهمّاً في هذا الشأن، وهو دليل على نجاح السياسات الاقتصادية في إيجاد حالة من الاستقرار والتوازن في قطاعات الاقتصاد الوطنيّ، بمكوناته النقدية والمالية والحقيقية، وبالتالي مدى سلامة المناخ الاستثماريّ في هذه الدولة مقارنة بالدول الأخرى المنافسة لها، وبمعنى آخر فليس هدف النمو الاقتصادي المرتفع فقط هو ما تسعى الدول إلى إدراكه، ولكن استقرار هذا النمو أيضاً واتجاهه نحو الارتفاع التدريجيّ يعدّان من المطالب المهمة التي تحرص الدول على التأسيس لها وإدراكها عاماً بعد عام. تعدّ دولة الإمارات واحدة من أكثر الدول حرصاً على اتّباع السياسات الاقتصادية الأكثر فاعلية والأكثر تواؤماً مع إمكاناتها الوطنية وخصوصياتها الاقتصاديّة، وقد استطاعت الدولة بفضل حرصها الدائم على دعم النمو الاقتصاديّ، وحفزه من عام إلى عام، والمحافظة على استقراره على مدار السنوات التي سبقت "الأزمة الماليّة العالميّة"، أن تدرك نصيباً من النجاح في هذا الشأن، فحافظ الاقتصاد الوطنيّ على النمو بمعدلات تبلغ نحو 8 في المئة في المتوسط، وعلى مدار فترة تقترب من العقد من الزمان، ما ساعد الدولة على تحقيق ما يشبه الطفرة في مجمل المؤشرات الاقتصاديّة والتنمويّة الأخرى، كمتوسط نصيب الفرد من الدخل، وتحسّن مستويات المعيشة، وحجم السوق المحلي، ومستوى التنويع الاقتصاديّ، وجاذبية المناخ الاستثماري، بخلاف تحسن مستويات الرعاية الصحية والتعليم والمرافق والخدمات العامة التي تقدّمها الدولة إلى المواطنين. واستكمالاً لهذه المسيرة الاقتصادية والتنمية المتميّزة تمكنت دولة الإمارات من الخروج من أسوأ مراحل "الأزمة المالية العالمية" من دون خسائر تذكر، فتجنّبت دخول اقتصادها في مرحلة من الانكماش، بل إنها استعادت القدرة على النمو الاقتصادي الإيجابي بسرعة كبيرة، فاستطاعت أن تحقق نموّاً يقدّر بنحو 3 في المئة في عام 2010، وفقاً لتقديرات "صندوق النقد الدولي"، وانطلقت إلى آفاق أوسع للنمو حتى بات من المتوقع أن يرتفع معدل نموها الاقتصادي إلى نحو 4.8 في المئة في عام 2011، وفقاً لتقديرات "مصرف نومورا" الياباني، ويتضمن هذا المعدل المرتفع دلالتين اقتصاديتين مهمّتين، أولاهما، أن ارتفاع معدل النمو إلى هذا المستوى المتوقع يمثل مؤشراً إلى أن الاقتصاد الوطني يتمتع بدرجة عالية من الثبات في خطواته على طريق التعافي من آثار الأزمة، وأنه يقترب شيئاً فشيئاً من استعادة طاقاته كاملة ليكون قادراً على النمو بالمعدلات نفسها التي دأب على تسجيلها في ما قبل الأزمة. أما الدلالة الثانية، فهي تأتي من كون معدل النمو المتوقع من قِبل مصرف "نومورا" هو أعلى معدل يتم توقعه لنمو الاقتصاد الإماراتي من قِبل المؤسسات الاقتصادية الدولية، ولعلّ إقدام إحدى المؤسسات على رفع توقعاتها للنمو الإماراتي بهذه الكيفية يعبّر بشكل ما عن أن هناك تحسناً كبيراً في الثقة العالمية بالاقتصاد الإماراتي في الوقت الحالي، وهو ما قد يكون بادرة مهمّة لعودة الاستثمار الأجنبي المباشر إلى التدفق على الاقتصاد الوطني بمعدلات ما قبل الأزمة نفسها، وفرصة لتحسين موقعه على خريطة التجارة العالميّة. عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية