جميعنا يذكر بالتأكيد أين كنا في الحادي عشر من سبتمبر، عندما شن تنظيم "القاعدة" هجمات الحادي عشر من سبتمبر المروعة على الولايات المتحدة الأميركية. وفي العقد الذي تلا ذلك، لم تتمكن اللجان التي شكلت ولا الكتب التي أُلفت، ولا الأفلام التي عرضت، ولا التقارير التي كُتبت، من التخلص من المفاهيم الخاطئة حول ذلك اليوم المشؤوم، وما كان يعنيه. ومع اقتراب الذكرى السنوية لذلك اليوم قد يكون من المناسب أن نتناول أكثر الأساطير المتعلقة بهذا اليوم استمراراً معنا. الأسطورة الأولى: أن الحادي عشر من سبتمبر كان شيئاً غير قابل للتخيل. ففي 2002 وصف مسؤول بالبيت الأبيض هجمات الحادي عشر من سبتمبر بأنها كانت تمثل"نوعاً جديداً من الهجمات لم يكن من الممكن التنبؤ به". وهذا التصريح يمثل رد فعل طبيعي ويمكن فهمه بالنسبة لأمة أخذت على حين غرة، وتعرضت لهجمات من خلال قيام طائرات مختطفة بالارتطام بمبان، وهي طريقة لم تكن غير متخيلة كما لم تكن فكرة غير قابلة للتخيل أيضاً. فهذه الفكرة في الحقيقة تعود إلى عام 1972، عندما قام الخاطفون خلال حادث محلي، بإطلاق النار على الطيار المساعد في رحلة لطائرة من طائرات شركة" ساوثرن آير واييز"، وهددوا بالدخول بالطائرة في منشأة نووية تقع في منطقة"أوك ريدج" بولاية تينيسي. وبعد ضرب مبنى مركز التجارة العالمي عام 1993.حدد "فريق من المستشارين (شاركت فيه شخصياً)، كان قد تم التعاقد معه من قبل مركز التجارة العالمي، للبحث في احتمالات تعرض المركز لهجمات مستقبلية، فكرة قيام طائرة بالدخول في أحد برجي المركز باعتبارها فكرة يمكن أن تشكل أساساً لسيناريو مستقبلي محتمل. ويُشار أنه في عام 1994، فكر مختطفو إحدى طائرات شركة "إير فرانس" بالدخول في برج إيفل في فرنسا، كما تم في عام 1995 اكتشاف مؤامرة إرهابية تضم رمزي يوسف أحد الذين قاموا بالمشاركة في تفجير القنابل في مركز التجارة العالمي عام 1993، وخالد شيخ محمد الذي يدعي أنه مهندس عمليات الحادي عشر من سبتمبر تتضمن تفجير طائرة محملة بالمتفجرات في المقر الرئيسي لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية. الأسطورة الثانية: إن الهجمات كانت تمثل نجاحاً استراتيجياً لـ"القاعدة". ولا شك أن الغارة الجريئة وغير المسبوقة في الحادي عشر من سبتمبر قد مثلت نصراً تكتيكياً، ولكنها في ذات الوقت كانت تمثل خطأ استراتيجياً فادحاً في التقدير. فبن لادن كان يعتقد أن الولايات المتحدة قوة جوفاء، لا قبل لها بتحمل الخسائر، وأن ضربة مروعة كالحادي عشر من سبتمبر، سوف تدفعها للخروج من الشرق الأوسط، وهي الفكرة التي عارضه فيها باقي قيادات التنظيم التي رأت أن ضربة بهذا الحجم ستدفع الولايات المتحدة لصب جام غضبها وتركيزه على التنظيم وحلفائها وهو ما حدث بالفعل. الأسطورة الثالثة: إن الولايات المتحدة قد بالغت في رد فعلها على هجمات الحادي عشر من سبتمبر. لكن بعد وقوع هجمات الحادي عشر من سبتمبر لم يكن بمقدور أحد التنبؤ بأي قدر من الدقة ما إذا كانت الأراضي الأميركية سوف تتعرض لهجوم آخر على غرار تلك الهجمات أم لا، كما لم يكن بمقدورها كذلك تحديد التوقيت الذي يمكن أن يقع فيه ذلك. ولم يكن أمام الولايات المتحدة حينئذ سوى العمل بأقصى سرعة على تحسين قدراتها الاستخباراتية، وتعزيز الأمن في الوطن، واستخدام القوة المسلحة في الخارج للقضاء على أي مصادر محتملة للتهديد، وتدمير معسكرات "القاعدة" وملاذاتها الآمنة في أفغانستان وإحباط أي مؤامرات أخرى. واحتلال العراق على وجه التحديد لم يكن مبالغة في رد الفعل من جانب الولايات المتحدة، بل إن قرار غزو ذلك البلد كان قراراً استراتيجياً من جانب إدارة بوش للتخلص من حكومة معادية وتهديد محتمل. الأسطورة الرابعة: إن احتمال وقوع هجوم نووي إرهابي كان احتمالاً شبه مستحيل في أجواء الغموض التي سادت عقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر والمعلومات التي توافرت من مصدر سري يدعى"دراجون" بحصول "القاعدة" على سلاح نووي (تبين فيما بعد أنها خطأ) والسلوك النووي غير المنضبط الذي لا يمكن التنبؤ مقدماً به لبعض أعداء الولايات المتحدة مثل كوريا الشمالية وإيران كان لا بد لذلك كله من أن يدفع الأجهزة الاستخباراتية الأميركية في نهاية المطاف إلى النظر إلى "القاعدة" باعتبارها (التهديد النووي رقم واحد). الأسطورة الخامسة: الحريات المدنية في أميركا تعرضت للتقويض بعد الهجمات. وأفند هذه الأسطورة بالقول إنه بعد الهجمات كانت هناك مخاوف من تحول أميركا إلى دولة بوليسية بسبب التشديدات والقيود العديدة المحتملة التي ستقوم بوضعها على العديد من الأنشطة والأفراد، ولكن الهجمات وإنْ كانت قد أدت إلى توسيع نطاق السلطة التنفيذية للسلطات في الولايات المختلفة، فذلك لم يتم خارج القانون، بل من خلال جهود بذلها الكونجرس والهيئة القضائية الأميركية للحيلولة بين إدارة بوش وبين اتخاذ أي إجراء للمراقبة والرصد لا يخضع للموافقة القانونية. والشيء الوحيد الذي خرج عن هذا الإطار وعن إطار القيم الأميركية هو معاملة المقاتلين الأجانب والمشتبه بهم الذين قبض عليهم في الخارج، والذين احتفظت بهم السلطات الأميركية في سجون سرية، وقامت بتسليمهم إلى استخبارات بلاد أجنبية معروف عنها تعذيب المعتقلين، كما قامت من جانبها بإخضاع أولئك المتهمين إلى الاستنطاق القسري الذي كان يصل في بعض الحالات إلى حدود التعذيب على أيدي محققين أميركيين. براين مايكل جنكينز محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة"واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس"