أصبح مزيد من الأطفال والشباب صغار السن يصابون بالسكتة الدماغية حسب نتائج دراسة أجراها الباحثون في مركز التحكم والوقاية من الأمراض بالولايات المتحدة، وبالتحديد فقد سجلت زيادة بحوالي الثلث خلال أقل من عشر سنوات، لدى الفئة العمرية الواقعة بين سن الخامسة والرابعة والأربعين. وقد بُنيت نتائج هذه الدراسة التي نشرت الأسبوع الماضي في إحدى الدوريات الطبية المتخصصة في الأمراض العصبية (Annals of Neurology)، على تحليل بيانات المستشفيات لثمانية ملايين مريض في الفترة الواقعة بين عامي 1995 و2008. وتقسم السكتة الدماغية إلى نوعين أساسيين، النوع الأول ينتج عن انسداد شرايين المخ بالجلطات الدموية، والنوع الثاني ينتج عن انفجار تلك الشرايين. وفي كلتا الحالتين، ينعدم إمداد الأوكسجين للخلايا العصبية في المخ، مما يتسبب في إلحاق ضرر شديد بها ومن ثم وفاتها، وهو ما يؤدي بدوره إلى الانتقاص الحاد، أو حتى الفقدان التام للقدرة على الكلام أو المشي، وغيرهما من النشاطات اليومية البسيطة. وهذه المأساة التي يتعرض لها الملايين من البشر سنويّاً تسبقها مجموعة من الظروف الحياتية والعوامل المرَضية، التي تزيد جميعها من احتمالات وقوع الشخص ضحية للسكتة الدماغية. فعلى رغم أن كثيرين منا قد يكونون مهيئين وراثيّاً للإصابة بأمراض القلب وبالسكتة الدماغية، إلا أن نمط الحياة اليومية والظروف البيئية يلعبان دوراً أكبر في احتمالات الإصابة بتلك الأمراض. وهو ما يعرف طبيّاً بعوامل الخطر "risk factors"، التي كلما زادت، زاد معها احتمال التعرض للسكتة الدماغية. وأول تلك العوامل هو السن، فبعد سن الخامسة والخمسين يتضاعف احتمال الإصابة بالسكتة الدماغية بمرور كل عشر سنوات من عمر الشخص. ولذا يصبح احتمال الإصابة بالسكتة الدماغية لشخص في الخامسة والستين من عمره ضعف احتمالات إصابته عندما كان في سن الخامسة والخمسين. والعامل الثاني هو جنس الشخص فالذكور أكثر احتمالاً للتعرض للذبحة الصدرية والسكتة الدماغية في سن مبكرة مقارنة بالإناث، وإن كانت وفيات الإناث من أمراض القلب والسكتة الدماغية تبلغ ضعف عدد من يتوفى منهن من جميع أنواع الأمراض السرطانية على الإطلاق، وهو ما يُظهر بشكل جلي مدى فداحة تلك الأمراض على الصحة العامة، وعلى نسبة الوفيات. ويزيد التدخين أيضاً من احتمالات الإصابة بالسكتة الدماغية حيث يتسبب النيكوتين وأول أكسيد الكربون الموجودان في دخان التبغ في ضرر وتلف الشرايين. وتتسبب مستويات الكوليسترول المرتفعة في الدم أيضاً في الضرر نفسه، وخصوصاً إذا ما ترافقت مع وجود أحد عوامل الخطر الأخرى. ومن ضمن عوامل الخطر الأخرى بالغة التأثير في الإصابة بأمراض شرايين القلب والمخ: ارتفاع ضغط الدم، وقلة النشاط البدني، وزيادة الوزن والسمنة، والسكري. وهذه العوامل الأخيرة بالتحديد يشير إليها باحثو مركز التحكم والوقاية من الأمراض بأصابع الاتهام خلف الزيادة الحاصلة في معدلات الإصابة بالسكتة الدماغية بين الأطفال والشباب صغار السن. فعلى صعيد السكتة الناتجة عن انسداد الشرايين فقد زادت معدلات الإصابة بمقدار 31 في المئة ما بين سن الخامسة والرابعة عشرة، وبالتحديد من 3.2 إصابة إلى 4.2 إصابة لكل 10 آلاف من المرضى داخل المستشفيات. وبين سن الخامسة عشرة والرابعة والثلاثين زادت معدلات الإصابة بمقدار 30 في المئة، أما بين سن الخامسة والثلاثين والرابعة والأربعين، فقد زادت معدلات الإصابة بنسبة 37 في المئة. وأمام هذه الزيادة في معدلات الإصابة بين الأطفال والشباب صغار السن، وبقية الفئات العمرية تقريباً، وبناء على احتلال السكتة الدماغية للمركز الثالث على قائمة أكثر أسباب الوفيات شيوعاً على الإطلاق، وللمركز الأول في قائمة أكثر أسباب الإعاقة الذهنية والبدنية انتشاراً؛ حيث تتسبب السكتة الدماغية في وفاة أكثر من ستة وسبعين ألف شخص سنويّاً في بريطانيا وحدها، يسعى العلماء إلى طرق حديثة ومبتكرة لتخفيف العبء الإنساني والاقتصادي الناتج عن السكتة الدماغية. وإحدى هذه الطرق المعتمدة على الخلايا الجذعية أو خلايا المنشأ، أعطي مؤخراً الضوء الأخضر لتجربتها إكلينيكيّاً بشكل واسع. فبعد تقييم مستقل من قبل الخبراء لنتائج تجربة مبدئية لاستخدام الخلايا الجذعية على ثلاثة من المرضى في أحد مستشفيات إسكتلندا (Southern General Hospital)، وجد أن مثل هذا الأسلوب لا يشكل خطراً على المرضى، ولا يحمل في طياته مضاعفات جانبية خطيرة، حيث يأمل العلماء من خلال هذا الأسلوب الحديث، أن تنجح الخلايا الجذعية التي يتم حقنها في أدمغة المصابين بالسكتة الدماغية في إصلاح التلف الحاصل في المخ. وبما أن هذه التجارب لا زالت في مراحلها الأولية، لا يتوقع أن يصبح هذا الأسلوب العلاجي -إن ثبتت فعاليته- اختياراً متاحاً للمصابين بالسكتة الدماغية قبل خمسة أعوام من الآن. وإن كان هذا لم يمنع تجارب مماثلة في دول أخرى مثل تلك التي تجريها شركة أميركية (Geron)، وتهدف إلى علاج حالات الشلل العصبي. ولكن، مثلها مثل العديد من الأمراض الأخرى يظل درهم الوقاية من السكتة الدماغية، أفضل بكثير من قنطار العلاج، حتى ولو كان هذا القنطار قنطاراً من الخلايا الجذعية.