لعل المفارقة الأولى ضمن حزمة المفارقات التي يعاني منها أوباما الآن هي ما يمكن أن نطلق عليه "مفارقة حزب الحكومة" وتعني أنه إذا ما بدا رأس مال الأمة مصاباً بخلل وظيفي، فإنه سيعود في نهاية المطاف ليضر بأوباما والديمقراطيين، حتى إذا ما كان الجمهوريون هم المسؤولون عنه أصلاً في المقام الأول. وهناك المفارقة المتعلقة بالحزبين الرئيسيين في الولايات المتحدة وهي أنه مهما حاول الرئيس التراجع إلى الخلف عند أية مواجهة، ومهما حاول استرضاء الحزب الجمهوري، ومهما حاول أن يبدو لطيفاً ومهادناً وودوداً أو حتى معقولًا فإن الناخبين سيقيمونه وفقاً للنتائج التي حققها فحسب وبلغة الأرقام لا العواطف. ويؤدي هذا بدوره إلى تخليق ما يعرف بـ"مفارقة الانتخابات"التي تعني هي الأخرى أنه بمقدور الجمهوريين في الكونجرس -حتى نقطة ما- السماح لمعدلات تقييمهم بأن تهبط إلى ما دون معدل تقييم الرئيس طالما كانوا قادرين على الاستمرار في جره نحو مناطق سلبية. وهكذا فإننا إذا ما افترضنا أن الرئيس سيحصل خلال العام المقبل على معدل تأييد منخفض فإن الحزب الديمقراطي الذي يقوده لن يتمكن مع ذلك من إلحاق هزيمة ذات شأن بالجمهوريين تمكنه من العودة للسيطرة على مجلسي النواب والشيوخ. والمهمة الرئيسية لأوباما في الوقت الراهن هي الانفكاك من هذه المفارقات ليس من أجل إعادة انتخابه لفترة رئاسية ثانية وإنما لكي يصبح قادراً على إنجاز أي شيء. فبعد أن جرب الرئيس الحلول الوسط والتسويات ولم تجد نفعاً، فليس أمامه من خيار في الوقت الراهن سوى تكثيف الضغط على الجمهوريين من أجل دفعهم للعمل والتعاون معهم على أن يوضح لهم بجلاء -في حالة فشله في ذلك- أنه سيعلن على الملأ من هو المسؤول عن الشلل الحالي في واشنطن. وهذا هو السبب الذي يدعو للقول إن خطابه القادم يجب أن يتضمن الإشارة إلى برنامج واسع النطاق وخلاق في الآن ذاته، بما يكفي لاجتذاب اهتمام الرأي العام في الولايات المتحدة. فناخبو "منتصف الطريق" الذين يريد مستشاروه استرداد أصواتهم، يتطلعون إلى أن يكون رئيس السلطة التنفيذية في الولايات المتحدة (أوباما ذاته) قويّاً وحاسماً وصاحب مبادئ في المقام الأول، وليس مهمّاً بالنسبة لهم عدد المليمترات التي يقترب بها هذا الرئيس أو يبتعد من نقطة الوسط السياسي. إن أوباما يكره أن يُظهر الحقيقة القذرة وهي أن لدينا أحزاباً في أميركا تعيق الأمور، ولكنه سيضطر إن عاجلاً أم آجلاً للإشارة بجلاء إلى أن الجمهوريين في الكونجرس هم الذين يعرقلون أجندته، وإلى أنهم سيضطرون إما إلى البدء في القلق بشأن معدل تقييمهم المنخفض، أو البدء في سداد الثمن الحقيقي لما يمارسونه من عرقلة. وفي التاريخ الأميركي لم يصل إلى هذه الاستراتيجية قبل الانتخابات سوى هاري ترومان. ولكن علينا هنا تذكر أن معدل البطالة في انتخابات 1948 لم يكن يزيد عن 4 في المئة في المتوسط، وهو ما يعني أن أوباما على عكس ترومان لا يتمتع برفاهية الانتظار حتى تصل البطالة في البلاد إلى هذا المعدل. إيه جيه ديون. آر كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس"