أعتقد أن من قام بالتخطيط للهجمات المسلحة في إيلات يوم الخميس الماضي على الحافلات، لم يفكر جيداً في المأزق الداخلي والخارجي، الذي كان يطبق بشدة على حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة. كان الجمهور الإسرائيلي الذي أطلق حركة احتجاجات ضد المظالم الاجتماعية في ازدياد بعد أن نجحت حركة الاحتجاج في جذب ما يزيد على ثلاثمائة ألف من أبناء الطبقة الوسطى الذين يعانون أوضاعاً اقتصادية عسيرة بسبب سياسات حكومة "اليمين". وكانت مطالب المحتجين تتسع لتشمل مشكلة ارتفاع أسعار المساكن وضرورة خفضها ومواجهة غلاء السلع الاستهلاكية وعلاج مشكلة ضعف الأجور وتحسين خدمات التعليم. كانت هناك بشائر تشير إلى أن المعارضة "اليسارية"، ستنجح في الربط بين مخاطر التوسع في سياسة الاستيطان في الضفة الغربية وبين تدهور الأوضاع الاقتصادية للطبقة الوسطى. وبدأنا نلمح إشارات في الإعلام تبين أن سياسة الحكومة في الإنفاق على المستوطنات ببذخ، هي المسؤولة عن نقص الميزانيات اللازمة لتوفير المساكن المناسبة بأسعار مقبولة داخل إسرائيل. لا أقول إن هذه الإشارات كانت كافية في حد ذاتها لإيقاظ وعي الجماهير الإسرائيلية لتنحاز إلى حل إقامة الدولة الفلسطينية وتفكيك المستوطنات، ولكنها بالتأكيد كانت مقدمة لتنامي هذا الوعي الذي تحاربه حكومة نتنياهو بكل الطرق، لرغبتها في قضم أراضي الضفة. دعونا ننظر إلى هذا المأزق الذي كان يطبق على نتنياهو وراح ينذر باحتمال الدعوة إلى انتخابات مبكرة بعد وقوع هجمات يوم الخميس. لقد أدت الهجمات إلى تنشيط قانون "التوحد في مواجهة الخطر الخارجي"، وسارع قادة حركة الاحتجاج الوطني إلى الإعلان عن تجميد احتجاجاتهم لحين حل المشكل الخارجي. وهنا وجد نتنياهو فرصته الذهبية لتجميد هذه الاحتجاجات لفترة طويلة، فلقد راح يكثف خطابه الإعلامي للجماهير في اتجاه تضخيم الخطر الخارجي، وأصدر تعليمات بتسخين الوضع والقيام بعمليات عسكرية في غزة، عالماً أن الهجمات عليها ستؤدي إلى رد فلسطيني، وهو ما حدث بالفعل بإطلاق صواريخ من القطاع تجاه إسرائيل لينتهز هو الفرصة للتوسع في عملياته وإخراج الحالة الجماهيرية من منطقة البحث عن العدالة الاجتماعية إلى منطقة البحث عن الأمن الشخصي والبدني وليحصل على الفرج. أما إذا نظرنا على صعيد المأزق الخارجي، الذي كان يعانيه نتنياهو نتيجة لسياساته التوسعية، فإننا نلاحظ أن الهجمات على الحافلات الإسرائيلية قد جلبت له التعاطف الأميركي والأوروبي، حيث وصف البيت الأبيض الهجمات بالإرهابية الوحشية، وأدانها الاتحاد الأوروبي. ترى هل يشير حساب الربح والخسارة إلى صواب توقيت هذه الهجمات قبل شهر من توجه الرئيس الفلسطيني إلى الأمم المتحدة لطلب العضوية الكاملة لفلسطين أم العكس؟