لا تخفى على الإنسان المؤمن الأهمية الكبيرة التي يمثلها الدعاء، سواء كان ذلك في حياة المسلم أو الأمة الإسلامية، حيث نجد هذه الأهمية واضحة في الكثير من المؤلفات والأبحاث التي تحدثت بتوسع عن الدعاء ودوره في حياة الإنسان المسلم وأثر ذلك في حياة الأمة الإسلامية، خاصة في أوقات المحن والكروب التي قد تمر على الأمة والفرد. ويتفق على هذه الأهمية علماء المسلمين، من منظور أن الدعاء ليس فقط دواء روحيّاً ومفتاحاً للحاجة وملجأ للمضطرين، وعلاجاً نفسيّاً وأعظم أسباب ثبات الأمة وقوتها ونهضتها، بل أيضاً لأنه جوهر العبادة وحقيقتها من منطلق الخريطة التكاملية التي وضعها رسولنا الكريم، صلى الله عليه وسلم، لتكون منهج حياة للمسلم في دينه ودنياه وآخرته، فوضع مكانة الدعاء في العبادة بمكانة المخ في جسد الإنسان، وهذا واضح من قوله صلى الله عليه وسلم: "الدعاء مخ العبادة"، حيث ربط بين مكانة الدعاء وحركة الإنسان المسلم في هذه الحياة منذ ولادته وحتى موته، والعلاقة التي تربطه بربه. وعلى هذا المنهج سار معظم علماء المسلمين وبينوا من خلال ذلك المنهج شروط الدعاء المقبول وصفاته وأوقاته، وقد أجمل صورة ذلك ابن عطاء الله، كما جاء في كتاب "كنز الدعاء وأسراره" في قوله: "للدعاء أركان وأجنحة وأوقات وأسباب، فإن وافق أركانه: قوي، وأن وافق أجنحته: ارتفع، وإن وافق أوقاته: فاز، وإن وافق أسبابه: نجح، فأركانه: حضور القلب مع الله والخشوع لله، والحياء من الله ورجاء كرم الله، وأجنحته: الصدق وأكل الحلال، وأوقاته: الفراغ، والخلوة بالأسحار وأسبابه: الصلاة على النبي، صلى الله عليه وسلم، فإن الدعاء لا يرد إذا كان قبله وبعده الصلاة على النبي، صلى الله عليه وسلم". أما ابن القيم فقد وصف الدعاء بأنه من أنفع الأدوية التي لا يصح للإنسان المسلم تركها، فهو عدو البلاء يدفعه ويعالجه ويمنع نزوله ويرفعه أو يخففه إذا نزل، وهو سلاح المؤمن مصداقاً لحديث الرسول، صلى الله عليه وسلم، الذي يقول فيه: "الدعاء سلاح المؤمن وعماد الدين ونور السماوات والأرض". وفي قوله: "ألا أدلكم على ما ينجيكم من عدوكم ويدر لكم أرزاقكم؟ تدعون الله في ليلكم ونهاركم، فإن الدعاء سلاح المؤمن". والدعاء عند ابن الأثير امتثال لأمر الله ومحض العبادة وخالصها، فإذا رأى العبد نجاح الأمور من الله قطع أمله عما سواه ودعاه لحاجته وحده، ولذلك قال طاووس: إياك أن تطلب حوائجك ممن يغلق بابه دونك، وعليك بمن بابه مفتوح إلى يوم القيامة، أمرك أن تسأله ووعدك أن يجيبك، وهذا ما فعله عمر بن قيس عندما قرأ آيات في كتاب الله قوله تعالى في سورة الأنعام: "وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلا هُوَ"، هذه الآيات جعلت عمر بن قيس يقول بعدها أستغيث بالله عن الناس. وقد لاحظ رجال التفسير على مر التاريخ الإسلامي الأثر الكبير للدعاء وهناك كثير من القصص التي كان للدعاء فيها تأثير كبير على أصحابها يصل إلى حد المعجزة، سواء كان ذلك شفاء من مرض أو تيسيراً للدّين أو توسيعاً لرزق أو إزالة كرب وانتصار الأمة على أعدائها انطلاقاً مما كان يفعله رسولنا الكريم مع أصحابه حيث كان يعلمهم أنواعاً معينة من الأدعية ليستعينوا بها في معالجة همومهم وأحزانهم وما أصابهم من الكرب، حيث جاء في البخاري وأبي داود عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: "دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم المسجد فإذا هو برجل من الأنصار يقال له أبو أمامة فقال: يا أبا أمامة مالي أراك جالساً في غير وقت الصلاة؟ قال: همومي لزمتني وديون يا رسول الله، قال صلى الله عليه وسلم: أفلا أعلمك كلاماً إذا قلته أذهب همك وقضى عنك دينك، قال: قلت بلى يا رسول الله، قال: "اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال" فقال: فقلت ذلك فأذهب الله همي وقضى عني ديني.