لقد استطاعت البشرية من خلال مراحل التاريخ المختلفة أن ترتقي في قوانينها وعلاقاتها والمفاهيم التي تحكم أنماط حياتها اليومية بما ميزها عن غيرها من المخلوقات. وأصبحت مفاهيم العدالة والحرية وحقوق الإنسان من الأساسيات التي هي حق طبيعي لكل إنسان فضلاً عن حق الحياة، ولذا فإننا نجد أن القوانين الدولية ودساتير الدول قد أكدت في نصوص واضحة عليها، وقبل ظهور تلك القوانين، فإن الأديان السماوية جميعها قد جعلتها من الضرورات التي لا تستقيم حياة الإنسان إلا بها. ولأن الإنسان يستمد آدميته من خلال ممارسته وتمسكه بهذه المفاهيم، فإنه يملك قوة لا حدود لها للتمسك بها والدفاع عنها، ولو خسر مقابل ذلك كل ما يملك، بل إنه قد يقدم حياته رخيصة من أجل الحصول على هذه الحقوق. وتستمد الأنظمة الحاكمة شرعيتها في الأساس من خلال صيانة هذه الحقوق لمواطنيها والتأكد من تمتع كل مواطن بهذه الحقوق. ونجد أن التاريخ يطلق أحكامه التي لا تهادن أو تجامل على الدول والأنظمة من خلال النظر في مدى التزامها بهذه الحقوق. ذكرت هذه المقدمة وأنا أتأمل ما سيقوله التاريخ عن الأحداث الجارية في سوريا: نظام يقتل شعبه. شهادة لا يستطيع أحد أن يجادل فيها أو أن ينكرها، فالأدلة والبراهين على ذلك واضحة وجلية والشهود فيها ملايين البشر الذين رأوا المذابح وحرب الإبادة على الهواء مباشرة وبالصوت والصورة، وهذا ما دفع وزير الخارجية الفرنسي للقول بأن أوان الإفلات من العقوبة قد ولى، لأن ما يحدث في سوريا هو حرب إبادة بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى ومدلول. فقطع الخدمات الأساسية عن المدن مثل الماء والكهرباء، وقصف الأحياء السكنية بالدبابات والمدفعية وقتل الرجال والنساء والأطفال وتعذيب العديد منهم حتى الموت من قبل النظام الذي يفترض أنه يحمي شعبه ويرعى مصالحه ويصون حقوقه. وهذه الأحداث الأخيرة جعلت الناس تبحث في تاريخ النظام وتعيد كتابة تاريخه كما هو حقيقة، وليس كما عملت آلته الإعلامية على ترسيخه في أذهان الناس والذي نتج عنه صفحات بالغة السواد ستخلد في ذاكرة التاريخ التي لا تحابي أحداً أبداً. عراقة الشعب السوري وأصالته ستتغلب على كل التحديات وسيخرج من هذه الأزمة بإذن الله بقوة وشموخ، لأن الشعب الذي يجابه الدبابات بإصراره على سلمية تحركه وهو يقدم شبابه الواحد تلو الآخر لن يهزم أبداً وبالذات أن مطالبه هي في الأساس حقوق كان ينبغي من النظام منحها لشعبه. وكما قال لي صديق سوري نحن نريد أن نعيش كبشر لماذا إذا جئنا للإمارات نشعر بالأمن والحرية التي لا نجدها في بلادنا؟ لماذا نكون هنا "أوادم"، وفي بلادنا نكون غير ذلك؟ وعودة للتاريخ أقول رحم الله الشيخ زايد، لقد رحل عنا، ولكن محبته تجدها في قلب كل من عاش على أرض الإمارات، وذكراه الطيبة تعطر كل من نعم بشيء من خير الإمارات.